خاص - كورونا نيوز
خطة شاملة ومتكاملة قدّمها حزب الله في لبنان كمساندة للحكومة اللبنانية في مواجهتها لفيروس كورونا المستجد. رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله سماحة السيد هاشم صفي الدين أعلن عن مشاركة 1500 طبيب و3000 ممرض ومسعف و5000 كادر خدماتي صحي و15000 كادر خدماتي ميداني في هذه الخطة، وبمجموع 24500 من العديد مهمتهم العمل الطبي والصحي بمعزل عن الجوانب الاجتماعية، التي لم يغفلها الحزب في خطته.
هذه المقاومة المجتمعية التي أعلنها حزب الله، ستكون لها تداعياتها على الوضع المحلي، فضلًا عن انعكاساتها على صورة حزب الله في الغرب. في ما يلي، مقابلة مختصرة مع الباحث الدكتور حسام مطر، في اطلالة سريعة على بعض جوانب هذه الخطة:
* في ظل الأزمة التي تعيشها معظم الأحزاب التقليدية في لبنان بعد ١٧ تشرين الاول، يخرج حزب الله بخطة متكاملة على كافة الصعد لمواجهة ازمة كورونا، كيف يراكم حزب الله هذه القدرة على التحشيد والانجاز في الازمات؟
إن القدرة على حشد الموارد وتنظيمها وتوظيفها بكفاءة هي معيار رئيسي في نجاح المنظمات والدول. وفي هذا المجال يقدم الحزب تجارب ريادية، وهو ما سبق أن أقر به الباحثون الغربيون ممن درسوا منظومة الخدمات الاجتماعية للحزب. تعود هذه الكفاءة إلى:
1ـ عناصر مادية، مرتبطة بالبنية العسكرية والتنظيمية للحزب وحجمه الجماهيري وسعة انتشاره ودمجه للمعرفة والتخصص في مؤسساته والتخطيط العقلاني.
2 ـ عناصر غير مادية، منها أن تقديم الخدمة يرتقي إلى كونه شأنًا عباديًا، وهو وجه آخر للمقاومة، وهذا ما يجذب المتطوعين والتبرعات، كما أنه مرتبط بتنمية حس التضامن الاجتماعي والهوية المشتركة لبيئة المقاومة.
فالحزب راكم في مجال الخدمات وادارة الأزمات رأس مالي بشري واجتماعي هائل وخبرة مديدة وقدرات مادية وبنية تحتية متقدمة بلحاظ الواقع اللبناني.
* كيف يقرأ الغرب القدرة على انجاز هذه الخطة في ظل العقوبات المفروضة على حزب الله؟
النموذج الذي يقدمه حزب الله في هذه القضية هو أحد مصادر مشروعيته، بمعنى أن إحدى أهم مصادر المشروعية هي التجربة التي يقدمها والنموذج المتحقق على أرض الواقع. حزب الله من خلال دوره في مواجهة الأزمة، يعزز ويجدد مشروعيته الشعبية عبر إبراز نفسه كمنظمة كفوءة تهتم بالناس وملتصقة بمشاكلهم، ولديها القدرة على الاستجابة وتلبية احتياجاتهم خاصة في ظروف قاسية تفرض تحديات على حياتهم بشكل مباشر.
هذه المشروعية الشعبية المتجددة يمكن أن تتجاوز بيئته القريبة والحاضنة، لأن هذا الدور الذي يؤديه سيكون له بعد وطني، ويكشف بأن حزب الله هو أكثر من حركة مقاومة، بل هو حركة اجتماعية وشعبية وسياسية، وهذا سيضعف بالتالي السرديات التي تتهمه بأنه منظمة ارهابية أو ميليشيا، وتؤكد على البعد الاجتماعي العميق لحزب الله.
من هذه الناحية، يقدم حزب الله صورة ايجابية للداخل والخارج، ويقدم تجربة من الممكن أن تكون ملهمة لمنظمات وأحزاب أخرى، وتبرزه على أنه منظمة تسعى للخير العام في مجتمعها، وتتحمل مسؤوليات الى جانب الدولة في لبنان، وهذه كلها قضايا مهمة.
هذه التجربة التي يخوضها حزب الله ستؤكد أنه منظمة معقدة ومركبة ولا يمكن تبسيطها فقط بكونها منظمة عسكرية، وأن مصادر مشروعيتها متنوعة جدًا وتتجاوز الموضوع المادي. مصادر مشروعيتها الأساسية مرتبطة بتمكين الناس من الدفاع عن أنفسهم وحماية أمنهم وسيادتهم وكذلك الاستجابة لحاجاتهم الحيوية معيشيا واجتماعيا. وسيكشف هذا الدور في مواجهة مخاطر انتشار وباء الكورونا أن جزءا كبيرا من حملة العقوبات ضد حزب الله، وإن حققت بعض النجاحات على بعض الأصعدة، لكنها ما زالت حتى اليوم عاجزة عن الحاق ضرر عميق بحزب الله الذي رغم كل ما حصل يبدو أنه لا يزال لديه القدرة على تأمين الموارد وحشدها وتنظيمها وادارتها في ظل تحدي كبير بهذا الحجم.
كما سيبرز هذا الدور أن جزءا من هذه العقوبات تطال جهة تعمل لصالح الناس وتهتم بالصحة العامة وتقوم بحملة الوقاية وتساند الدولة في التصدي للوباء، وهذا يضعف السردية الارهابية اتجاه حزب الله وبالتالي يضعف جزءا من مشروعية هذه العقوبات، ربما ليس لدى الأميركيين، بل لدى دول أخرى قد تصبح أكثر حذرا في فرض هذا النوع من العقوبات. كما أن تدفع هذه التجربة بحال نجاحها مزيد من الناس للتضامن أكثر مع حزب الله في المستقبل بوجه العقوبات، وتكشف أن العقوبات وإن ألحقت بعض الأذى بالحزب، الا أنها لم تحدث تأثيرًا جوهريًا على دوره وحضوره داخل مجتمعه، ولا على الموارد التي يستطيع توفيرها وتسخيرها في خدمة قضيته في موضوع المقاومة أو في خدمة البيئة الاجتماعية الموجود فيها.
* كيف تنعكس هذه الخطة على ثقة المجتمع اللبناني بالقدرة على المواجهة؟
في المجمل هناك نوع من التقبل أو الرضى لدى اللبنانيين على أداء الحكومة في الاستجابة للأزمة، وقد يكون اللبنانيون قد تفاجأوا، في مكان ما، بأن دولتهم لديها هذه القدرة، لقد أوجدت الحكومة ـ الى حد ما ـ دورًا يحظى برضى واسع من اللبنانيين. وعندما يلمس اللبنانيون أن هناك أيضًا قوى مجتمعية، سواء مجتمع مدني أو منظمات أهلية أو أحزاب، تقوم بتجيير مواردها، ولديها خطط وادارة وارادة وبرامج ومتخصصين يضمون هذه القدرات الى جانب قدرات الحكومة، فهذا يعزز من الثقة العامة بأن لبنان على مستوى الدولة والمجتمع لديه قدرة على الاستجابة.
وهذا النوع من الاشارات الايجابية يعزز من رغبة الناس وارادتهم على التعاون أكثر مع الاجراءات، وأن يكونوا منضبطين ومتعاونين بشكل ايجابي، باعتبار أنهم يجدون امكانية للخروج من الأزمة، مع وجود أكثر من مصدر من مصادر الدعم. فعندما يتكاتف المجتمع مع الدولة هذا يعني أن هناك امكانية أكثر لتقديم مساعدات غذائية وصحية واغاثية لا سيما للطبقات الأكثر فقرا.
وهذا يخفف أيضًا من اجواء الاحتقان والاستياء الشعبيين، ويوجد نوعًا من السكينة بين الناس، وبالتحديد عندما يجدون هذا النوع من المساعدة يأتي من حزب بحجم حزب الله ولديه هذه القدرة من الموارد والحرص والتخطيط.
جميع هذه الاجراءات يتلقاها الجمهور بشكل ايجابي بما ينعكس على المناخ الاجتماعي في البلد وتعزز الانسجام بين أطياف المجتمع وتخفف الحساسيات الضيقة لصالح السعي لاجتناب كارثة وطنية محدقة لا تعرف حدوداً مذهبية أو مناطقية أو سياسية.
* ما الذي ميز حزب الله عن سائر الاحزاب انطلاقا من التعاطي مع هذه التجربة؟
الذي ميز حزب الله هو أنه منذ البداية وعبر أمينه العام، تصدى الى جانب الدولة اللبنانية. دور حزب الله رئيسي لأن وزارة الصحة تحسب عليه، وهو أحاطها بكل الدعم والرعاية والمساندة السياسية والاعلامية والتقنية لتكون قادرة على القيام بدورها، وهذا حمّله مسؤولية وأعطاه دورا أكثر من الآخرين بطبيعة الحال. وحزب الله تحمل المسؤولية من خلال مساندة حملة الحكومة في فترة مبكرة من خلال أمينه العام والأجهزة الحزبية، واستخدم سلطته المعنوية لحث جزء كبير من اللبنانيين، على الالتزام بالارشادات والتعليمات، ما ساهم في خلق ثقافة مجتمعية وبيئة مجهزة لمواجهة هذا التحدي. وفي هذا السياق لم ينجر الحزب للسجالات الضيقة التي حاولت بعض الآطراف إثارتها لحسابات سياسية بل أكّد على عزل الخلافات السياسية وتركيز الجهود نحو أعلى درجات التعاون الرسمي والسياسي والمجتمعي.
كما أوجد حزب الله نوعا من المشروعية الدينية والشرعية والاخلاقية والسياسية حتى تتجاوب الناس مع الاجراءات الحكومية وتلتزم بالضوابط، وقام بهذه الحملة التي كانت مهمة في صناعة الوعي، وكان سباقًا في الحديث مع اللبنانيين، ومع جمهوره وتحميله المسؤوليات، وشرح الأمور وتوضيحها.
كان سباقا أيضا في حشد موارده بشكل سريع، فكانت لديه قدرة تدخل سريعة، وسبب استجابته السريعة هي بنيته التحتية وخططه الجاهزة، ومهارته وخبرته في التعامل مع التحديات والمفاجآت، وقدرته على الانتشار في المناطق اللبنانية، وهذا أعطاه بعدًا وطنيًا على مستوى الاستجابة والاجراءات. كما لدى حزب الله بنية تحتية من مستشفيات ومستوصفات واطباء وممرضين وكادر صحي، من هنا، كان متميزا عن الآخرين بالقدرة على سرعة الاستجابة تجاه تحد ذي طبيعة صحية.
كما استطاع حزب الله أن يعقلن الاستجابة الدينية للحدث في لبنان، بمعنى أنه لم يضع الدين بوجه العلم، بل قدم خطابا وسردية عن التناسق بين الدين والعلم وتكاملهما في مواجهة الوباء من خلال التأكيد على ضرورة الالتزام بالاجراءات الطبية والاجراءات الادارية المفروضة والالتزام بتوصيات المختصين من الأطباء والخبراء، واعتبر ذلك واجباً شرعياً ودينياً عدا عن كونه واجباً وطنياً وقانونياً. وقد ساهم هذا الموقف في مرحلة مبكرة بضبط الأنشطة والمناسبات الدينية والحد من التجمعات في المراكز الدينية على اشكالها، وهو ما كان له أثر مهم في الحد من انتشار الوباء.