إيهاب شوقي
تشهد مصر ظاهرة غريبة ونادرة بخصوص تلقّي لقاحات كورونا، حيث انتشرت شهادات مزوّرة تُفيد بتلقّي أصحابها الحصول على اللّقاح وذلك تحايُلاً على إلزاميّة اللّقاح لبعض القطاعات وتخوّف الكثيرين من اللّقاحات وآثارها.
وقد حذّر المتحدّث الرّسمي باسم وزارة الصحّة المصريّة حسام عبد الغفّار من تزوير شهادات الحصول على لقاح كورونا، وأكّد أنّ عقوباتها جنائيّة، إذ ينطبق عليها جريمة "التّزوير في محرّرات رسميّة"، موضحاً أنّ عقوبتها هي السّجن من 3 سنوات إلى 10 سنوات.
وصرّح بأنّ هناك عقوبة أخرى على استخدام الوثيقة المزوّرة، وبالتّالي فإنّ هذا النّوع من الجرائم سيخضع لقانون العقوبات لا قانون الخدمة المدنية.
وأضاف المتحدّث، بأنّ اللّجنة العليا لإدارة أزمة كورونا برئاسة رئيس الوزراء المصري اتّخذت قراراً بمنع العاملين من الجهاز الإداري في الدّولة والطّلاب والعاملين في الجامعات وأعضاء هيئة التّدريس من دخول عملهم ودراستهم بَداية من 15 نوفمبر الجاري إلّا في حالة الحصول على اللّقاح أو إحضار مسحة سلبيّة كلّ أسبوع.
وقد اتّخذت الظاهرة بعداً دينياً، حيث دخلت دار الإفتاء المصرية على الخطّ لتصدّر فتواها بخصوص الظّاهرة، فقد قال الدكتور خالد عمران، أمين عام الفتوى بدار الإفتاء، إنّ القيام أو المساعدة في تزوير شهادة الحصول على لقاح كورونا يشبه كبيرة شهادة الزّور، وذلك كبيرة من الكبائر، وتأتي بعد عقوق الوالدين.
وقد طفت الظّاهرة على السّطح، بعد أن تمكّنت مديريّة الصحّة بمحافظة بأسيوط بالتّنسيق مع الجهات الرّقابية، وقسم أوّل أسيوط من ضبط ممرّضة تقوم ببيع شهادات تطعيم كورونا بـ 100 جنيه.
وقبل مناقشة دلالات الظاهرة، يجدر إلقاء الضّوء على حادثة أخرى في اكتوبر الفائت، حيث قامت السلطات المعنيّة بمصر بالتّحقيق في واقعة العثور على كميّات كبيرة من لقاح فيروس كورونا مُلقاة في القُمامة بإحدى قرى محافظة المنيا جنوبي البلاد. وأبلغ أهالي القرية عن مجموعة من الأكياس تحوي آلاف الجرعات غير المستخدمة من اللّقاح بين القُمامة بعد أن تداول نشطاء صوَراً لها عبر مواقع التّواصل الاجتماعي. وتحفّظت الأجهزة الأمنيّة على نحو 122 ألفا و300 أمبول سينوفارم، بحسب وسائل إعلام محليّة.
وهنا يُمكن استخلاص دلالات مباشرة من هذه الظّاهرة، حتّى ولو كانت على نطاق محدود ولم تتحوّل لظاهرة كبيرة:
أوّلاً: يعكس التّحايل على الدولة في قضية بهذا الحجم والأهميّة حالة من فقدان الثّقة التّامّة بين المواطن الذي أقدم على تزوير الشهادة وبين الدولة ولا سيّما أنّها قضيّة صحيّة وتتعلّق بالسّلامة المباشرة، وبالتّالي فهي تشكّل فيصلاً كبيراً لا يخضع للمواءمات ولا المُهادنة ويكون التّصرف النّهائي بها عاكساً للموقف الحقيقي للمواطن من الدولة.
ثانيا: تُلقي الظّاهرة الضّوء مرّة أخرى على قضية التّلقيح الإلزامي ومدى ملاءمتها لمجتمعاتنا من جهة، ومدى ملاءمتها لطبيعة كورونا وما يُحيط بها من ظروف خاصّة، منها أنّه مستجد ولم تعطِ الدّراسات والأبحاث بعد جواباً شافياً ولا تأكيداً قاطعاً بجدوى اللّقاحات أو أمانها التّام.
ثالثاً: تعكس الظاهرة إيماناً لدى بعض القطاعات بنظريّة المؤامرة المُحيطة بكورونا وبأنّ اللّقاحات مصمّمة للإضرار بالبشر وبزراعة شرائح التّجسّس أو بأنّها للتّخلّص من أعداد كبيرة من النّاس لخدمة نظريّة تقليل عدد السكّان بالعالم لعجز الموارد البشرية عن كفايتهم، وكلّ هذه النّظريات السائدة، ناهيك عن حالة الإنفلات الإعلامي فيما عموماً، وما يخصّ فيروس كورونا بصفة خاصّة.
إنّ التخلّص من اللقاحات وإلقائها في القُمامة أيًّا كان ما وراؤه من شُبُهات للفساد والاختلاس أو من حالة الرّيبة بها، وكذلك تزوير شهادات تلقّي اللّقاح تحايُلاً على إلزامية اللّقاحات، هي أمور بحاجة لسياسة للمراجعة من حيث الرّقابة وضبط الخطاب الإعلامي والتّوعَوي، ناهيك عن مراجعة سياسة الإلزام باللّقاحات وسط مناخ تشوبه الضّبابية وعَدم اليَقين العِلمي.