أحمد فؤاد/ مصر
إلى النّقطة صفر، عاد العالم مجبرًا أو هو في طريقه، مع الزيادة المروّعة لإصابات فيروس كورونا، وفي غياب أيّة خُطط مواجهة ناجعة أمام التّحوّرات الجديدة للفيروس الأصلي، وباتت الرؤية غائمة في الأجلين القصير والمتوسّط، وبالتّالي لا يستطيع البصر أن ينظر إلى أبعد من الأيّام القليلة المُقبلة، ويتحسّب لها ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
وزاد الطين بلّة، إنّ التّقارير المرعبة القادمة من منظّمة الصحة العالمية ألقت بزيت التّشاؤم على نار عداد الإصابات المرتفعة في العالم وأوروبا على وجه الخصوص، والتي توقّعت أحدثها أن يتجاوز عدد الضحايا في القارّة الأوروبية وحدها أكثر من نصف مليون حالة وفاة خلال الشتاء الجديد، مع ظهور المتحور الجديد " أوميكرون"، وهي أرقام لا تعكس بأي شكل نجاح اللّقاحات التي شكّلت الشّغل الشّاغل للعالم خلال العام الماضي.
الخطير في "أوميكرون"، أحدث نسخة من فيروس كورونا، أنّ منظّمة الصحة العالمية اعتبرته فورًا مثيرًا للقلق، بسبب قدرات التحوّر الأحدث من الفيروس على الانتشار، واحتوائه على عدد كبير من الطّفرات الجديدة، والتي تعني بشكل مباشر مناعته بالنّسبة للّقاحات الحاليّة، والتي كان العالم يأمل في كونها خط النّهاية بالنسبة للفيروس القاتل.
ومع استمرار وهج الأزمة، التي لا يبدو لها نهاية قريبة في الأفق المنظور، تزداد الخسائر الجسيمة للمجتمعات والدول، والأفراد في المجتمعات الأقل تقدّمًا، ممّن جعلهم حظهم العاثر يسقطون في براثن تهديد الموت مرّتين، مرّة بالفيروس الذي لا يزال متربّصًا، والمرّة الأخرى من الفقر، في ظلّ بيئة اقتصادية صعبة، تجعل من تكاليف الحياة اليوميّة قصّة مأساوية، تحاكي أسطورة بروميثيوس في الميثولوجيا الإغريقية، والذي كانت الآلهة تسلّط عليه نسرًا يأكل كبده صباح كلّ يوم، وفي كلّ يوم ينبت له كبد جديد، وما إن يشعر بزهوة الاكتمال إلّا ويجد النسر ينهش لحمه ودماءه، وهكذا في مسلسل عذاب سرمدي بلا نهاية.
والفقر في العالم العربي يأخذ في زمن كورونا منحنيات مرعبة، مع غياب أي رغبة في إنشاء قطاعات صناعية وزراعية تستطيع تغطية الاحتياجات الأساسية للمواطن على الأقل، والمنطقة العربية كلها تعتمد كله على هيكل اقتصادي مشوّه، خلّفته مرحلة الاستعمار، ويقوم على الريع دون الإنتاج، سواء في الدول النّفطية بالاعتماد على إيراداته، أو في بقيّة الدول التي تعتمد على السياحة وعلى دخول العاملين بالخارج، وخلافه، من مشروعات تليق بأشباه دول، لا تعرف من الاستقلال سوى علم ونشيد وسلطة جديدة بأسماء عربية وهوى غربي.
كلّ ما حدث ويحدث خلال أزمة كورونا المستمرة، حتى إشعار آخر، يفضح زيف كلّ دعاوى الإصلاح التي تلوكها الأنظمة العربية، نقطة البداية تمامًا ستكون الخروج من العباءة الأميركية، والبَدء من حيث بدأ الآخرون، بالتّركيز على تنمية مستقلّة، تدرك حاجات مجتمعها، وتعي سبل سدّ هذه الحاجات عبر إنتاج محلي، ومجتمع يعرف إنّه أمام تحدّي للبقاء وليس أقل.
المجتمعات العربية التي نخَر فيها سوس الفساد جسدًا تركته السيطرة الأجنبية مريضًا بالأصل، لا ينقصها الحديث عن إنجازات وهميّة، ولن يغنيها التّرقيع بعمليات تؤجّل الشعور بالألم، بل هي أمام لحظة مصيريّة، خصوصًا خلال هذه الشهور الصّعبة.
ما كشف حتّى الآن من التقارير المتعلّقة بالتّحور الجديد لفيروس كورونا، تقول بوضوح إنّ العالم مُقبل على الإغلاق من جديد، وعلى قيود أشدّ صرامة، وعلى أيّام عصيبة، ستحاول فيها كلّ دولة تلبية الاحتياجات العاجلة لمواطنيها أوّلًا، وفي ظلّ الارتفاعات المذهلة في أسعار الغذاء والوقود والمنتجات المصنّعة، فإنّ ما يمكن توقّعه لن يخرج عن الأسوأ الذي سيحدث حتمًا.
الأزمة الواقعة تحتاج إلى منهج جديد في التّعامل، خاصّة مع الفشل العنيف في معالجة كلّ ما يتعلّق بأزمة تفشي كورونا سابقًا، في كلّ الدول العربية، في ظلّ الأرقام المرعبة لانتشار ظواهر الفقر والعجز والبطالة، فوق مصيبة المرض وفشل القطاع الصحي في أكثر من دولة، واستمرار التّعاطي بهذا الشكل يهدّد بأنّ الكلّ مُقبل على عمليّة انتحار طوعي هائلة، ليس لها سابق.
ورغم أنّ العالم العربي كلّه يواجه المشاكل ذاتها، تكاد تعصف بمستقبله، وهي في مواجهة تحدّياتها أمام عدو وحيد لا ترى أنّها مدعوّة لوحدة باتت خطوة أساس على طريق الحل، ولو كانت على الأقل وحدة الأهداف والطريق، فإنّ الغرب في مرحلة سابقة استطاع أن يعزلنا داخل أوطان ممزّقة، بفعل المؤامرات وبفعل خرائط "سايكس بيكو" الحالية، لتبقى كلّ دولة عربية جزءاً ناقصًا من كلّ مفتّت، ومن يتجرأ على رفع رأسه فهم جاهزون لفعصنا، أو فليختار من يؤثر السّلامة أن يبقى في مكمنه، حيث سيتمّ اصطياده وقتما أحب الأميركي وقدّر.