إيهاب شوقي
يبدو أنّ ظاهرة الاحتجاجات ضدّ الإجراءات الخاصّة بمواجهة فيروس كوفيد-19 تتفاقم وتنتشر من بلد لبلد وخاصّة في القارّة الأوروبيّة، ممّا يشي بأنّها قد تتخطّى نطاق الظاهرة لتتحوّل إلى حركة مناهضة، بل وربّما أيدلوجية جديدة.
وهنا نستعرض سريعاً جانباً من هذه الاحتجاجات وفقاً لما أوردته وكالات الأنباء، ثمّ نوضح لماذا نقول أنّها قد تتحوّل لأيدلوجية بعد ذكر مفهوم الأيدلوجية وتعريفاتها المتعدّدة:
أولاً: استعراض جانب من الاحتجاجات المناهضة لإجراءات كورونا واللّقاحات الإلزامية:
فقد تظاهر الآلاف في مدن أوروبية ضدّ إجراءات الحظر الحكومية المتعلّقة بكورونا وضدّ التّطعيم الإلزامي الذي أقرّته بعض الدّول.
ففي برشلونة تظاهر نحو ألف شخص احتجاجاً على التّصريح الصحّي المعمول به في كتالونيا، فيما تُعتبر التّجمعات ضدّ القيود الصحية نادرة نسبياً في إسبانيا.
وخلال مسيرة في وسط المدينة الكتالونيّة، سار المتظاهرون وراء لافتة كتب عليها بالكتالونية "التصريح الصحي-دولة شموليّة"، حسبما ذكر صحافي في وكالة فرانس برس.
كما رفع آخرون لافتات "لا للتّصريح النّازي" و"الحكومات ومقدمو الرّعاية قتلة" و"تصريح كوفيد دكتاتورية"، وهتف المتظاهرون الذين قدّر عددهم ما بين 1000 و1500 شخص حسب الشرطة "هذه ليست جائحة، إنّها ديكتاتوريّة".
وفي لوكسمبورغ تظاهر المئات احتجاجاً على إجراءات مكافحة "كوفيد-19" في ظلّ مراقبة مشدّدة من الشّرطة التي استخدمت خراطيم المياه ونفّذت اعتقالات، حسب مراسلة وكالة فرانس برس.
كما حمّل المتظاهرون الذين بلغ عددهم نحو 500 شخص حسب الشّرطة لافتات كتبوا عليها "لا لقوانين إبادة الحريّات هذه" و"لا لإلزامية التّلقيح غير المباشرة هذه"، هاتفين "حرية، حرية".
كما تجمَّع نحو 44 ألف متظاهرٍ، في العاصمة النّمساوية فيينا، للاحتجاج على التّطعيم الإجباري المضاد لـ"كوفيد-19"، وفرض "الحجر على الرّافضين تلقّي اللّقاح"، بحسب ما أعلنت الشرطة.
وكان من المقرّر تنظيم 24 مسيرة منفصلة في مدينة فيينا وحدها، فيما نظّم الحزب اليميني المتطرّف تظاهرة ضخمة بالقرب من قصر هوفبورغ، وتعهّد رئيسه هربرت كيكل مواصلة التحرّك حتّى "وقوع الحكومة في مأزق".
ورفع المشاركون لافتاتٍ كُتِبَ عليها "عارٌ على بلدنا"، و"أنا لست من النّازيين الجُدد ولا من مثيري الشّغب، أنا أناضل من أجل الحرية وضدّ اللّقاح"، وكذلك "لا للّقاح الفاشية".
وقبل ذلك بنحو أسبوعٍ، شارك أكثر من 40 ألف شخص في مسيرةٍ في فيينا، وكذلك في 20 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد الإعلان عن مشروع التّطعيم الإجباري، غير المسبوق في الاتّحاد الأوروبي، لمكافحة الوباء.
وفي أواخر نوفمبر، اشتبك محتجّون في بلجيكا مع الشرطة، بعد أن تجمّع عشرات الآلاف في مسيرة وسط مدينة بروكسل، وقدّرت الشرطة حجم مسيرة "الاحتجاج من أجل الحرية"، التي كانت تهدف في المقام الأوّل للاحتجاج على قيود كوفيد-19 الأكثر صرامة، بحوالي 35000 شخص.
كما استمرّت المظاهرات في هولندا، لثلاثة أيام متوالية عقب مشاهد عنيفة واعتقال لعشرات الأشخاص في روتردام، وتجمّع آلاف آخرون في أمستردام خلال عطلة نهاية الأسبوع، وبعد أعمال الشّغب في روتردام، كان هناك المزيد من المشاكل في مختلف الأحياء في لاهاي، فضلاً عن تقارير حول الفوضى في العديد من البلدات الهولندية الأصغر.
ثانياً: مفهوم الأيدلوجية وتعريفاتها المختلفة:
ما يجعلنا نقول أنّها قد تتحوّل لأيدلوجية، هو اتّخاذها لشعارات مناهضة لسياسات متعدّدة الأبعاد، منها القمع ومنها الإغلاق ومنها منطق الإلزام باللّقاحات، ويخيّم عليها ولو من طرف بعيد قناعات لدى بعض المحتجين بنظريّات المؤامرة، وهو ما يجعل هناك نسقاً فكرياً خاصاً بهذه الاحتجاجات وهو ما يشكّل بذرة للأيدلوجية.
والتعريف العام للأيدلوجية هي أنّها نسق من الأفكار يحدّد السلوك السياسي والاجتماعي، وقد تناولت تعريفات عديدة جانبًا أو أكثر من جوانب مصطلح الأيدلوجية، بوصفه مفهومًا حديثًا، إلّا أنّ التّعريف الأكثر تكاملًا وفقاً للمختصّين، يحدّد الأيديولوجية بأنّها "النّسق الكلّي لـلأفكار و المعتقدات و الاتّجاهات العامّة الكامنة في أنماط سلوكية معيّنة. وهي تساعد على تفسير الأسس الأخلاقية للفعل الواقعي، وتعمل على توجيهه. وللنّسق المقدرة على تبرير السلوك الشخصي، وإضفاء المشروعية على النظام القائم والدّفاع عنه ".
ويُعدّ "دي تراسي" أوّل من وضع هذا المصطلح في عصر التّنوير الفرنسي، في كتابه "عناصر الأيديولوجية". ويعني تراسي بالأيديولوجية علم الأفكار، أو العلم الذي يدرس مدى صحّة أو خطأ الأفكار التي يحملها الناس.
ويجمع المختصون على أن جميع الأيديولوجيات تكون متشابهة في شيء واحد، وهو أسلوبها العاطفي وطبيعتها المحركة لعقول الجماهير، ومن ثَم، تعبّر الأيدلوجية، بصورة عامة، عن أفكار يعجز العلم الموضوعي عن برهان حقيقتها وشرعيتها، لكن قوة هذه الأفكار تظهر من خلال نغمتها العاطفية وأسلوبها المحرك للجماهير، والذي يتناسب مع الحدث الاجتماعي الذي يمكن القيام به.
وقد أشار "كارل مانهايم" في كتابه "الأيديولوجيا واليوتوبيا"، إلى ما أسماه بـ"التشوه الأيديولوجي" والوعي الزائف، أي التفسير غير الصادق الذي يضعه شخص ما. وهذا ما أكد عليه ديفيد هوكس من أن كلمة "أيديولوجيا" تشير أحياناً إلى طريقة خاطئة في التفكير على نحو نسقي، ووعي زائف.
وفرّق مانهايم بين نمطين من الأيديولوجيا، هما:
- الأيديولوجيا الخاصة التي تتعلق بمفهوم الأفراد وتبريراتهم للمواقف التي تهدد مصالحهم الخاصة.
- الأيديولوجيا الكلية التي تتعلق بالتفكير السائد داخل الطبقة أو الحقبة التاريخية، كما هو الحال لنمط التفكير السائد لدى البرجوازية أو البروليتاريا "الطبقة العاملة".
واستطاع الباحثون الذين أخذوا بتصور مانهايم لمفهوم الأيديولوجيا، التمييز في أي مجتمع طبقي بين أيديولوجيتين:
الأولى: أيديولوجيا الجماعات الحاكمة التي تريد فرض تصوراتها وأفكارها على بقية أفراد المجتمع، وتبرير الأوضاع الراهنة والدفاع عنها.
الثانية: أيديولوجيا الجماعات الخاضعة، التي تحاول تغيير هذه الأوضاع لصالحها وإحداث تغيرات في بناء القوة القائم، بما في ذلك تحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الدخول توزيعاً عادلاً.
وهنا يمكننا أن نوجه هذا السؤال المشروع: هل تتحول معارضة إجراءات كورونا إلى أيدلوجية؟