أحمد فؤاد
يحفظ التّاريخ لأسلاف الأميركي، من الأوروبيين الأوائل في القارة الأميركية، بصكّ مصطلح الحرب البيولوجية على شعوب كاملة، حين قرّر القائد البريطاني جيفرى أبهرست، مطلع العام 1763، أن يُرسل إلى قبائل الهنود الحمر البطاطين المحمّلة بوباء الجَدري والكوليرا، لينجح الإنجليز في قتل عشرات ومئات أضعاف ما حصدته البنادق والمدفعيّة بخطّتهم الشيطانيّة.
وعقب وصول المُستكشف كريستوفر كولومبس إلى الأراضي الجديدة، فإنّ الجهود الأوروبيّة الحثيثة لكلّ من إنجلترا وإسبانيا قد تكفّلت بتقليص عدد الهنود الحمر إلى 5% فقط من أعدادهم لحظة نزولهم على الشواطئ الأميركيّة، لتتكفّل سياسات الدّول النّاشئة فيما بعد بعزلهم في مجتمعات فقيرة لا يتوفّر بها الحدّ الأدنى اللّازم للحياة والتّكاثر في القضاء على هذه الشعوب الأصلية بشكلٍ شبه كامل.
وإذا كان هناك دليل مادي مطلوب لكشف النوايا الأميركيّة تجاه العالم العربي، فإنّ تفشّي جائحة كورونا وما أعقبته من زلزال هائل قد تكفّل بإيجاده مشهد إهداء واشنطن لعدد من الدول العربيّة لقاحها الأحدث "جونسون آند جونسون" مجّانًا لحقن مواطنيها، وياللكرم الأميركي العظيم.
خلال شهري تشرين الأوّل والثاني/أكتوبر ونوفمبر الماضيين استلمت مصر، الدولة العربية الأكبر سكانًا ما يزيد عن 2.358 مليون جرعة من لقاح جونسون آند جونسون الأميركي، كتبرّع وفقًا لتصريحات السفير الأميركي بالقاهرة جوناثان كوهين، الذي تباهى بتقديم واشنطن ملايين الجرعات المجانيّة للحكومة المصرية، التي لا تشغل بالها بشرائها من الأصل.
وفي لبنان أيضًا حملت السفيرة الأميركية دوروثي شيا الخبر السار باعتزام حكومة بلادها إهداء نحو 613 ألف جرعة من عقار جونسون آند جونسون للبنان، في إطار ما قالت إنّه دور الولايات المتّحدة في مواجهة الجائحة المرعبة.
ما تهديه الولايات المتّحدة فعلًا إلى شعوبنا هو الموت العاجل، أمام تهديد موت كورونا المؤجّل، تمامًا مثلما استغلّت حاجة الهنود الحمر للدّفء في مواطنهم الجديدة التي أبعدوا إليها بعد الاستيلاء على أراضيهم، فقرّرت إهدائهم بطّانيّات الموت، اختارت أن تمنحنا لُقاح الموت في مواجهة حكومات تعمل بأمرها أو أوطان محاصرة بقيودها المالية والاقتصادية، والكل خاضع لمنظومة نهب شيطاني لم تعد تبقي شيئاً.
الكارثة التي حملتها أنباء إعلان مركز الوقاية من الأمراض "سي دي سي" الأميركي بعدم اللّجوء إلى التّطعيم بلقاح جونسون ذي الجرعة الواحدة، بسبب ما ثبت من إصابة من حصلوا على اللّقاح بجلطات دموية، متّهمة اللّقاح بالوقوف خلف 9 حالات وفاة تعود للجلطة الدموية الناتجة عنه، بعد تحذيرات متتالية من خطورة الآثار الجانبية القاتلة للقاح منذ شهر نيسان/إبريل الماضي.
الهيئة الأميركية أوصت بضرورة تطعيم المواطنين بواسطة لقاحي فايزر وموديرنا بدلاً من جونسون آند جونسون، في إطار جهود التّطيعم الشّامل أمام الانتشار المُذهل لجائحة كورونا في الولايات المتّحدة، في خطوة استبعدت تمامًا الاعتماد على اللّقاح المشبوه "جونسون آند جونسون".
لكن هيئة الرّقابة على الغذاء والدّواء الأميركية لم تشأ توجيه ضربة قاتلة للشركة الكبرى، وأعادت التلقيح بواسطة عقار جونسون، لكن مع التّحذير من الآثار الجانبية في الولايات المتّحدة فقط، وقالت روشيل والينسكي، مديرة "سي دي سي" في بيان إنّ" "التّوصية المحدثة الصّادرة تؤكّد التزام مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها توفير المعلومات العلمية للمواطنين الأمريكيين حال توفّرها".
من حقّ الولايات المتّحدة أن تهتم بمواطنيها، وتسعى لتقديم أفضل سبل الوقاية من فيروس كورونا لهم، لكن من حقّنا أن نتساءل عن سعي حكوماتنا الحثيث لاستجلاب المرض والموت من أميركا، وقبل كلّ شيء، لماذا الإصرار على أنّ الحلّ أصلًا قد يأتي من واشنطن، رغم أنّ كلّ المصائب العربية تأتي حصرًا من هناك.