إيهاب شوقي
من الظواهر التي لم يلقِ الإعلام عليها الضّوء كثيراً، هي تأثيرات فيروس كورونا على الجيوش، حيث هذه المؤسّسات الخطيرة التي يتعلّق بها أمن الأوطان والتي لا يجوز بها الإغلاق، أو العمل عن بعد، ولا يُناسبها مفهوم التّباعد الاجتماعي، في العديد من تشكيلاتها وأسلحتها.
وربّما تناول الإعلام بعضاً من المشاهد والمشكلات، ولكنّه تناول على نطاق ضيّق، سواء على مستوى الدول التي أَلقى الضّوء على مشكلات جيوشها، وكذلك ضيّقَ على نطاق التّفاصيل.
ولكن ما تمّ نشره، يكفي للخروج بنتيجة مفادها، أنّ الأمر ليس هيّناً، وأنّه بالغ الحساسيّة، وذلك لحجم حساسيّة الجيوش وأهميّتها في عالم يشوبه الصّراع ولغة القوّة.
وهنا نحاول إلقاء الضوء على هذه المشكلة من واقع بعض التقارير التي تداولها الإعلام:
نماذج في بَداية الجائحة:
في السابع والعشرين من فبراير من العام 2020، ألغت كوريا الجنوبية والولايات المتّحدة المناورات العسكرية المشتركة المقرّر إجراؤها في العشرين من مارس من نفس العام، وفي الحادي عشر من مارس 2020، ألغت القوات المسلّحة النرويجيّة عشرين من تمرين الردّ البارد الذي كان من المقرّر إشراك حلف شمال الأطلسي والأفراد المتحالفين معه.
وفي السّادس عشر من مارس 2020، ألغت الرابطة الصناعية للدّفاع الوطني في الولايات المتّحدة مؤتمر صناعة قوّات العمليات الخاصّة لعام 2020 المقرّر عقده في مايو 2020، وفي السابع والعشرين من مارس، ألغت الولايات المتّحدة مناورات كبيرة النّطاق شملت آلاف القوات في الفلبّين والتي كان من المقرّر إجراؤها في مايو 2020.
وفي السادس من أبريل 2020، أعلنت القوات الأمريكية في اليابان حالة الطوارئ العامّة الصحية في منشآت سهل كانتو، وفي العشرين من مارس 2020، أكّدت قوات المهام المشتركة أنَّ بعض القوات ستنسحب من العراق بسبب جائحة فيروس كورونا في العراق.
وفي الهند في 18 أبريل 2020، أُعلن عن تواجد 21 بحارًا في آنس آنجر، وهي قاعدة بحرية في مومباي، وأثبتت النتائج إيجابية مع أنّ معظم الحالات لم تظهر عليها أعراض، وجميع الحالات كان سببها عدوىً من بحّار أثبتت النتائج إصابته في 7 أبريل 2020.
وفي الخامس عشر من مارس 2020، أُعلن عن أوّل حالة إصابة في أكروتيري ودكليا في بريطانيا ، وتبع ذلك
في الرابع والعشرين من مارس، تأكيد اكتشاف أوّل حالة في قاعدة خليج جوانتانامو البحرية.
كما انتشرت جائحة كوفيد-19 في عددٍ من السفن البحرية، وتتسبّب طبيعة هذه السّفن التي تتضمّن العمل مع الآخرين في مناطق صغيرة مغلقة، في سرعة انتشار المرض، حتّى بشكل أسرعُ من السفن السياحية.
التأثير على الجيوش:
وفقاً لمجلة (ناشونال انتريست) الأمريكية، فإنّه، وحتّى إذا لم يصب الفيروس نفسه الأفراد وينتشر بين الجيش كله، فإنّ إجراءات الحجر الوقائي والإبعاد الاجتماعي، يمكنها أن تحبط العمليات وتعطّل الأنشطة العسكرية.
وقد ينتج عن التداعيّات الناتجة، انتكاسات في القتال ضدّ العديد من الجهات الخارجية التي لا تنتمي إلى أي دولة، وربّما حتّى مشاكل في تطوير القدرات العسكرية على المدى الطويل,
وقد طالت الاضطرابات القواعد العسكرية بالعراق، حيث أعادت الولايات المتّحدة تعيين قوّاتها ووضعهم في فرق بعدد أقل للحدّ من انتشار الفيروس، كما علّقت القوات الهولندية والبريطانية أيضًا أنشطة التدريب مع القوات العراقية المحلية لأسباب مماثلة.
كما قلّصت القوات الأمريكيّة مشاركتها في تمرين "Defender Europe" المخطّط له منذ فترة طويلة، والذي كان يُقصد به أن يكون أكبر انتشار متزامن للقوّات الأمريكية في أوروبا منذ أكثر من 25 عامًا.
عواقب تفشي الفيروس
تقول التقارير الإعلامية، أنّ احتمال تفشي فيروس كورونا داخل التشكيلات العسكرية في الميدان له عواقب معقّدة، فمثل هذا التّفشي قد لا يشلّ القدرة على إجراء العمليات فحسب، بل قدرة الوحدات المصابة على مواصلة العمل، كما يمكن أن يؤدي أيضًا إلى طلب استجابة طبية لا يمكنهم تلبيتها محليًا.
كما يؤثر بشكلٍ خاص على عمليات النّشر الصغيرة والبعيدة، بالإضافة إلى أنّ مرض الجنود وتكليف آخرين برعايتهم، قد يصبح من غير الممكن حتّى للوحدات المنتشرة ضمان أمنهم الخاص بدرجة موثوقة.
جيش العدو الاسرائيلي:
منذ أيّام، قرّر الجيش الإسرائيلي، وقف التّدريبات الاحتياطيّة بسبب انتشار فيروس كورونا، وذلك بعد أن أعلن يوم الاثنين 10 يناير 2022 إصابة اثنين من كبار الجنرالات بالفيروس.
وقالت القناة 7 الإسرائيليّة، في تغريدة عبر "تويتر" إنّه "بسبب العدوى: الجيش الإسرائيلي يوقف التّدريبات الاحتياطيّة".
كما أعلن جيش العدو عن إصابة رئيس مديريّة القوى العاملة في الجيش الإسرائيلي اللّواء يانيف آشور، ومسؤول الاتّصال العسكري مع الفلسطينيين اللّواء غسان عليان، بفيروس كورونا.
مشاكل بسبب رفض اللّقاحات:
ومؤخّراً، ووفقاً لحالة منتشرة من رفض اللّقاحات بين بعض القطاعات الشعبية حول العالم، لم تكن الجيوش استثناء من هذه الحالة، إلّا أنّ الأمر بالجيوش أكثر حساسية لأنّه قد يدخل تحت بند العصيان العسكري.
وفي أواخر الشهر الماضي، حدثت عمليّات فصل بالجملة داخل ثكنات الجيش الأميركي بَداية من "المارينز" ووصولاً إلى القوات الجوية، والسبب في ذلك هو رفض عدد كبير من العسكريين الأميركيين تلقّي لقاح كورونا.
وأصدرت قيادة سلاح المشاة البحرية الأميركية "المارينز" قراراً بتسريح 103 جنود لرفضهم تناول اللّقاح المضاد لفيروس كورونا، في خطوة تأتي مع عزم الجيش فرض اللّقاح على أفراده، بحسب ما أوردت شبكة "سي إن إن" الأميركية.
وكانت المهلة التي وضعها الجيش الأميركي لتطعيم عناصرها قد انتهت، لكن الآلاف من عناصره لم يتلقّوا اللّقاح بسب عدم موافقتهم على ذلك.
كما أعلن سلاح الجو الأميركي تسريح 27 من عناصره لأنّهم رفضوا تلقّي اللّقاح، وقالت البحرية إنّها ستبدأ في فصل من يرفضون أخذ المصل.
هي ظواهر خطيرة تُلقي الضّوء على وجه آخر من تداعيات جائحة كورونا، وهذه المرّة وجهها العسكري!