إيهاب شوقي
المتابع لأخبار كورونا دولياً يلحظ ظلالاً لتراجُع في النّبرة المحذّرة والمتشائِمة والتي كانت دوماً تخرج بمحصّلة ضبابيّة، لا تحدّد سقفاً ولا تَعِد بشيء ولا تُشير لضوء في نهاية النّفق.
ولن نقول أنّ هناك أخبار أو حملة إخبارية تُفيد بانتهاء الخطر أو تبشّر بموعد قريب لانتهاء الجائحة، ولكنّنا نلمس أخباراً وكأنّها تسحب الحالة التشاؤميّة بشكلٍ تدريجي وكأنّها توجّه إلى تقليل الاهتمام بالجائحة وبخطورتها، وكأنّنا أمام حالة إعلامية موجهة بالانسحاب التّدريجي!
ولعلّه باستعراض لأبرز أخبار الأسبوع الثاني من فبراير الجاري، يمكن أن نوضح ما نقصده:
فالأخبار الواردة من بريطانيا تقول أنّ بريطانيا سجّلت نمواً قياسياً بلغ 7.5 بالمئة في 2021، هو الأسرع في مجموعة الدول السّبع بعد تراجع تاريخي وصل إلى 9.4 بالمئة العام الماضي بسبب جائحة كوفيد-19.
وأضافت: "يبدو أنّ الأسوأ قد مرّ، فإنّ الشّركات لا تزال تواجه نقصاً في الإمدادات وضغوطاً على التّكاليف بينما تواجه الأسر أزمة في تأمين المعيشة".
ومن جهتها، أشارت كبيرة الخبراء الاقتصاديين لدى "كي بي أم جي" يائيل سيلفين إلى أنّ "الاقتصاد البريطاني عرف في العام 2021 أقوى نمو له منذ الحرب العالمية الثانية في انتعاش بعد التّراجع الذي سبّبته "جائحة كوفيد-19".
وفي الدانمارك، قالت السلطات الصحية إنّها تفكّر في إنهاء برنامج التّطعيم ضدّ فيروس كورونا في البلاد في الربيع ولا ترى أي سبب الآن لإعطاء جرعة معزّزة للأطفال أو جُرعة رابعة لأي مُقيم آخر.
وفي النّرويج، أعلنت السّلطات النّرويجيّة رفع جميع قيود مكافحة كورونا الأساسيّة نظراً لانحسار خطر الجائحة، رغم أنّ متحوّر "أوميكرون" لا يزال ينتشر في البلاد.
وقال رئيس الوزراء النّرويجي يوناس غار ستوير خلال مؤتمر صحفي في أوسلو: "هذا هو اليوم الذي كنّا ننتظره، وباشرنا رفع جميع القيود تقريبا".
وبرّر هذه الخطوة بأنّ "النّرويجيين محميّون جيّداً باللّقاحات ضدّ جائحة كوفيد-19 وظلّت نسبة المواطنين الذين ينتهي بهم الأمر في المستشفى منخفضة على الرّغم من انتشار متحوّر "أوميكرون".
وفي تقرير لوكالة تاس الروسية توجد بعض الاحصائيّات الحديثة العامّة، وجاء به:
انخفض معدّل الإصابات بفيروس كورونا المستجد في العالم هذا الأسبوع لأوّل مرّة منذ نوفمبر حيث تمّ تأكيد ما يقرب من 18 مليون إصابة في العالم، وهو أقل بـ 4 ملايين عن الأسبوع السابق.
ودلّ تحليل الإحصائيّات المتوفّرة لدى "تاس"، على أنّ وتيرة انتشار العدوى انخفضت بشكلٍ حاد في البلدان التي حدثت فيها الذّروة الدورية في بَداية العام بسبب متحور "أوميكرون".
في الولايات المتّحدة، انخفض معدّل الإصابات مقارنةً بمنتصف شهر يناير، عندما تمّ اكتشاف أكثر من 900 ألف حالة جديدة يومياً، بنحو خمسة أضعاف، وفي الأسبوع الماضي وحده، كانت نسبة الانخفاض 70٪.
وانخفضت معدّلات الإصابة في جميع دول أوروبا الغربية تقريباً. على سبيل المثال في فرنسا وبريطانيا، انخفض عدد المصابين إلى النّصف تقريباً خلال أربعة أسابيع، إلى 140 ألفا و 50 ألف إصابة يومياً، وفي إيطاليا وإسبانيا - ثلاث مرات، إلى 65 ألفا.
وبين الدول الآسيويّة، سجّلت الهند انخفاضاً سريعاً: بنهاية شهر يناير تمّ تسجيل ما يقرب من 350 ألف إصابة يومياً هناك، أمّا الآن فقد بلغ العدد حوالي 50 ألفا. وفي الفلبّين، انخفض معدّل الإصابة ستّ مرّات في الأسابيع الأخيرة.
في أمريكا اللاتينية، كانت أكبر انخفاضات في معدّلات الإصابة في الأرجنتين، حيث تراجعت بمقدار ستة أضعاف منذ يناير، وكذلك في بيرو وكولومبيا، حيث تراجعت خمس وأربع مرات على التوالي.
وبعد هذا الاستعراض السّريع، يُمكننا أن نوجّه عدداً من الأسئلة، فهل ما يحدث هو بشريات بانتهاء الجائحة وتقلّصها تدريجياً لمتحوّرات ضعيفة ثمّ انتهائها بفيروس متوطّن لا يشكّل خطراً كبيراً بل سيُصبح مثل نوبات الانفلونزا التي تعايشت معها الشعوب؟
أم أنّ الخطر لايزال قائماً ولكن لا تتحمّله اقتصادات الدول وبالتّالي ينبغي تجاهله وممارسة الحياة الطبيعية والاعتماد على مناعة القطيع وقوانين الانتخاب الطبيعي التي تكفل البقاء للأقوى؟!
أم أنّ الأمر لا هذا ولا ذاك وهو أمر يتعلّق بنظريّات المؤامرة والتي لا تكون دوماً خاطئة أو ساذجة أو متطرّفة، والأمر هو عبارة عن تضخيم إعلامي لفيروس عادي وتضخيم الأمر بوضع تركيز إعلامي على إحصائيّاته والتّعامل معه كظاهرة، وذلك لأغراض اقتصادية وسياسية تتعلّق بالصّراع الدّولي، ثمّ حانت لحظة التوقّف عن توظيف الملف؟!
لا شكّ أنّنا جميعاً لمسنا حالات من الإصابات والوفيّات وداخل محيطنا وعائلاتنا، ولولا الإعلان عن الجائحة والتّركيز الإعلامي الدّولي عليها، لربّما تعاطينا مع الإصابات والوفيّات في محيطنا بشكلٍ عادي، وخاصّة وأنّ أمراض البرد والرّئة والالتهابات، شائعة وإصاباتها ووفيّاتها مُعتادة، فهل التّركيز الإعلامي ورفعه هو من قبيل المؤامَرة؟