أحمد فؤاد
في لحظة بالغة الهشاشة وأمّة واصلة إلى درجة مُخيفة من التأزّم، وجماهير على مساحة واسعة جدًا من الأرض دُفعت إلى بلوغ الحدّ الأقصى من القدرة البشرية على الاحتمال، جاءت الأزمة الروسية-الأميركيّة والتي تدور أحد فصولها مشتعلة في أوكرانيا، لتضرب العالم العربي كلّه بمزيج من سياط الشكّ والخوف، خسائر أزمة جديدة أُضيفت دون إنذار إلى حسابات أزمة تفشّي جائحة "كورونا" القائمة بالأساس، والتي لا يبدو لها نهاية قريبة في الأفق.
قبل أيّام قليلة من قرار التدخّل الروسي في أوكرانيا، كانت التّقارير الدّولية كلّها تحذّر من أزمة تضخميّة بالغة الشدّة والعنف، وشاملة لحزمة واسعة من السّلع والأغذية والإمدادات، قامت واستمرّت مع محاولات التّعافي العالمي غير المتساوي، بين دول استطاعت عبور مرحلة الأزمة ودول أخرى لا تزال تراوح مكانها بلا قدرات تقريبًا على استعادة معدّلات التّشغيل والنّمو قبل 2019.
المُثير في أحدث تقارير البنك الدولي للعام الحالي، بشأن تأثيرات الحرب على أوكرانيا واستمرار تداعيّات جائحة كورونا، هو أنّ الدول العربيّة كلّها دخلت نفقًا مظلمًا مع كورونا، وما فعلته تأثيرات الحرب الروسية هو مضاعفة وتسريع وتيرة التعرّض للانهيار في بعض الدول العربية، أو الانكشاف في أفضلها حالًا.
النائبة الأولى لرئيس البنك الدولي، كارمن راينهارت، ورئيسة الخبراء الاقتصاديين، حذّرت من أنّ دول العالم مُطالبة بشدّة بضرورة تحديد أولويّاتها الماليّة وإجراءاتها المصمّمة للتّعامل مع ظروف الأزمة الحالية، والتي تُعدّ مفاجأة غير سارة للجميع، وإلّا فإنّ الاقتصادات الأقل نموًا ومرونة ستدفع ثمنًا باهظًا لما يجري في أوروبا.
راينهارت أكّدت أنّ الفئات الأكثر احتياجًا في الدول منخفضة ستكون هي المعرّضة أكثر من غيرها لدفع أثمان الأزمة والتضخّم وإعاقة إمدادات الغذاء والطاقة، وسط سيل الأنباء عن عقوبات اقتصادية وإجراءات مالية تستهدف روسيا، أحد أهم منتجي الطاقة والغذاء وموردي المعادن وغيرها.
وتتنوع المخاطر التي تهدّد الطّبقات الأفقر في البلدان الأفقر، من دفع تكلفة هائلة للديون السياديّة، ثمّ الدخول في فترة طويلة من الرّكود، وارتفاع معدّلات التضخّم المستمر، وانعدام الموارد الموجّهة للقطاعات الحيويّة للسكّان، مثل التّعليم والصحة وشبكات الدّعم والأمان الاجتماعي، وفي حالة دول مثل مصر والمغرب ولبنان والأردن، فإنّ هذه التّهديدات كلّها ستضرب الطّبقة الفقيرة بسياط من نار.
وسبق أن أشار تقرير البنك الدولي المعني بـ "التنمية في العالم"، إلى الأخطار التي تهدّد مجموعة البلدان ذات الدّخل المنخفض، وتتركّز في عدم قدرة حكوماتها على مواجهة عدّة أزمات خارجة عن نطاق التوقّعات –مفاجئة- وهو ما يحدُث اليوم بالتّزامن بين الأزمتين الحرب الروسية وكورونا، وقلّة الكفاءة التي تتمتّع بها السّلطات في ترشيد وإعادة توجيه المُتاح لها من موارد ومن قدرات مالية في تحقيق عبور سلس من هذه الأزمات.
وضربت أزمة كورونا العالم بأضخم أزمة اقتصادية منذ عقود طويلة، وظهرت نتائجها على كلّ دول العالم، الكل بحسب قدرته وكفاءته، ليرث منها العالم العربي انتكاسة مروّعة لمستويات النمو الاقتصادي، وزيادة هائلة في أعداد ونِسَب الفقراء وذوي الدّخل المحدود، واتّساع نسب عدم المساواة في المجتمعات، لتَجد كلّ دولة نفسها أمام مجموعة متكاملة هي أسوأ الآثار الاجتماعية والاقتصادية للسّياسات التي اتّبعت وأدّت إلى ارتفاع منفلت في مستويات الديون السيادية، وبالتالي زيادة ما يخصم من الموازنات مسبقًا لخدمة الديون ودفع أقساطها، وكلّ هذا أدّى إلى سَلب آخر أوراق القُدرة عندَ الحكومات على تغيير مسارها أو تعديله.
وبالقرب من خط نهاية الأزمات المتتالية التي تضرب الدوَل العربية، فإنّنا إزاء ما يُمكن تسميَته بالدّول الفقيرة، وإذا كان تعريف الفقير هو الإنسان العاجز عن تلبية احتياجاته الأساسية والضرورية نتيجة دخله المنخفض، فإنّ الدول العربية تحوّلت هي الأخرى إلى دول فقيرة، عاجزة، منخفضة الكفاءة، معدومة القدرات، وفوق كلّ شيء تستحق الرّثاء والشّفقة.