احمد فؤاد
هل التاريخ يكتبه المنتصرون حقًا.. ربما لا تكون العبارة المحفوظة وذائعة الصيت، والمنسوبة لرئيس الوزراء البريطاني الأشهر ونستون تشرشل صحيحة، وفق أي بحث جاد عن التاريخ كعلم ودراسة، أصبحت قادرة على استخراج روايات متعددة للحادثة التاريخية، واستنباط العديد من الصور والمشاهد، ربما لا تحكي الحكاية كاملة، لكنها على الأقل تلقي الضوء على ما جرى وفق رؤية أبطاله.
لكن البعض ممن يجادلون بصحتها، يسوقون الشاهد الأهم والأكثر دموية في تاريخ الإنسان، وهو تاريخ من الصراعات، عقب الحرب العالمية الثانية كانت الرواية الغربية –الأميركية- هي وحدها السائدة، اعتبر سكان ألمانيا وإيطاليا واليابان شعوبًا من الشياطين لا البشر، وتحول زعمائهم هتلر وموسوليني وهيديكي توجو سفراء الجحيم إلى العالم وصنفوا كأسوأ المجرمين عبر التاريخ الإنساني كله، ولا تزال سيرتهم تدمغ بكل نقيصة وجدت أو ستوجد، من الغباء إلى جنون العظمة والتسلط وغيرها الكثير والكثير جدًا.
واستثمرت الولايات المتحدة في الإعلام والتمدد الثقافي وتمويل الصورة بشكل لم تفعله أية إمبراطورية أخرى سبقتها في التاريخ، بحيث جعلت القلم وللمرة الأولى يتراجع إلى المرتبة الثانية بالنسبة لتسجيل التاريخ الإنساني، وصارت الصورة وحدها هي سيدة الموقف وصاحبة الشهادة ونجم شباك البطولة الأوحد، سواء كانت صورة حقيقية، أو مجتزأة مقتطعة من سياق مختلف، المهم أن تكون على الهوى الأميركي، وتبعًا لمصالحه.
وإذا كان اختراع الطباعة هو أحد أهم المنعطفات في الوجود البشري، والذي أتاح للجماهير الواسعة قدرة الإطلاع ومنحها حق الرأي، بدفع من انتشار الثقافة وسهولة الوصول إلى الخبر والمعلومة، فإن الصورة الأميركية أعادت الغالبية إلى أحضان الجهل، وساهمت في تمرير الأفكار المعلبة سهلة الهضم فكريًا، والتي تتلقفها وسائل الإعلام حول العالم، وتعيد تمريرها بلغاتها المحلية، لتخلق مناخًا من السيطرة الكاملة للرؤية الأميركية لكل شيء، بداية من المبادئ والمثل العليا، وحتى الحلم والسعادة.
ومع تفشي جائحة كورونا المدمرة على العالم، لم يتغير الموقف كثيرًا عن ذي قبل، خرج الاتهام الأميركي للصين ولمواطنيها ولعاداتهم الغذائية بالتسبب في انتشار الفيروس القاتل، وتحول الاتهام بفعل الانتشار والسيطرة الذهنية إلى وصم شامل للصين بالجريمة، رغم قيام منظمة الصحة العالمية بالتحقق في فرضية انتشار الفيروس من الخفافيش في الصين، وعدم وصولها لدليل يثبت صحة ما ساقته واشنطن.
واليوم، يقف العالم أمام اكتشاف مروع، فيما يخص انتشار الأوبئة العالمية، بداية من أنفلونزا الطيور ثم أنفلونزا الخنازير وصولًا إلى كورونا، عقب إعلان روسيا –رسميًا- عن اكتشاف عشرات المختبرات البيولوجية في أوكرانيا، وتقديمها وثائق حول إدارة وزارة الدفاع الأميركية لهذه المختبرات، ونشاطها المريب في تخليق الفيروسات وابتكار طرق شيطانية لنشرها عبر الطيور أو المياه.
ولم تنكر الولايات المتحدة القصة بأكملها، وخرجت فيكتوريا نولاند، نائبة وزير الخارجية، أمام مجلس الشيوخ بتصريحات مخيفة حول تمويل إدارة جو بايدن لسلسلة من المختبرات البيولوجية في أوكرانيا، مع علم الإدارة الأميركية بخطورة المواد والأنشطة التي تجري فيها، ولم تنس المسؤولة الأميركية أن تحذّر من وقوع هذه المعامل ووثائقها في يد الجيش الروسي!
قصّة المختبرات البيولوجية الأميركية في أوكرانيا لا تعدّ البَداية في حكاية طويلة عنوانها القتل بالأوبئة، سبق أن قامت الولايات المتّحدة –ولأوّل مرّة في التاريخ- بشنّ حرب إبادة عبر الفيروسات لمن تبقّى من شعوب وقبائل الهنود الحمر، وقتلت بدم بارد عشرات الملايين من أصحاب الأرض لتفريغها بالكامل للمهاجرين الجدد من القارة الأوروبية.
ورغم كلّ الأدلة التي قدمتها روسيا، ورغم كلّ الألم والخسائر التي يُعانيها العالم من فيروس كورونا، فإنّ كلّ هذه الأمور لم تشفع لتلك القصّة أن تأخذ حقّها في صدارة اهتمامات العالم الافتراضي، حيث يُقال إنّه بلا رقابة، لكن كلّ الحوادث تثبت أنّ رقابته تسير في اتّجاه واحد ولمصلحة طرف واحد، هو الطرف الأميركي، القادر على إسباغ حماية وقبول لكلّ من يقف في خندقه، بينما الشيطنة جاهزة والتّحريض ممكن ومُتاح ضدّ أي خارج على مقتضيات الإرادة الأميركية. الروسي!
قصّة المختبرات البيولوجيّة الأميركيّة في أوكرانيا لا تعدّ البداية في حكاية طويلة عنوانها القتل بالأوبئة، سبق أن قامت الولايات المتّحدة –ولأوّل مرّة في التاريخ- بشنّ حرب إبادة عبر الفيروسات لمن تبقّى من شعوب وقبائل الهنود الحمر، وقتلت بدم بارد عشرات الملايين من أصحاب الأرض لتفريغها بالكامل للمهاجرين الجدد من القارة الأوروبية.
ورغم كلّ الأدلّة التي قدّمتها روسيا، ورغم كلّ الألم والخسائر التي يُعانيها العالم من فيروس كورونا، فإنّ كلّ هذه الأمور لم تشفع لتلك القصّة أن تأخذ حقّها في صدارة اهتمامات العالم الافتراضي، حيث يُقال إنّه بلا رقابة، لكن كلّ الحوادث تثبت أنّ رقابته تسير في اتّجاه واحد ولمصلحة طرف واحد، هو الطرف الأميركي، القادر على إسباغ حماية وقبول لكلّ من يقف في خندقه، بينما الشيطنة جاهزة والتّحريض ممكن ومتاح ضدّ أي خارج على مقتضيات الإرادة الأميركية.