إيهاب شوقي
هناك حالة لافتة يُمكن رصدها مفادها التّضارب بين التوقّعات الأوروبيّة والأمريكيّة للوضع الوبائي لكورونا، والسّقف الزّمني لانتهاء الأزمة.
فبينما صرّح وزير الصحّة الألماني، كارل لاوترباخ، أنّ الوقت ما زال مبكّرا للغاية على إعلان "يوم الحرية" من كوفيد-19 حيث لا يزال الفيروس يتفشّى بشكلٍ كبير ويحصد أرواح المئات كلّ يوم، فإنّ أنتوني فاوتشي، كبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة، رجّح أن لا تشهد البلاد زيادة أخرى في حالات الإصابة بفيروس كورونا مع انتشار نوع جديد من سلالة المتحوّر أوميكرون.
وبينما تتوقّع مجموعة علماء من بريطانيا وإيطاليا، أن يكون التطوّر اللّاحق للفيروس التّاجي المستجد أكثر خطورة وأسرع انتشاراً، مقارنةً بالمعروفة حالياً.
فإنّ فاوتشي قال في برنامج "This Week" على قناة ABC: "لا أعتقد أنّ الولايات المتّحدة ستشهد زيادة أخرى في حالات كورونا بسبب انتشار نوع جديد من "أوميكرون"، على الرّغم من ارتفاع الحالات في أوروبا وآسيا".
كما تُفيد التّقارير المنشورة بالمجلّات العلميّة، بأنّ علماء أوروبا يبدون قلقاً يميّزهم عن غيرهم، فقد أشارت مجلة Nature Reviews Microbiology، إلى أنّ الباحثين يقولون، "نحن نعتقد أنّ مسار "كوفيد-19" الخفيف الذي سبّبه متحوّر "أوميكرون" مجرّد مصادفة، لأنّه من المرجّح أن يؤدّي تطوّر المستضدّات، إلى ظهور أنواع جديدة من الفيروس التّاجي، يُمكنها تجنّب منظومة المناعة، مسبّبة إصابات شديدة بالمرض".
وبينما يعتقد بعض الخبراء، أنّ ضعف الفيروس التدريجي، يساعد على بلوغ مستوى المناعة الجماعية المطلوب، نجد أنّ علماء أوروبا يقولون، إنّ ما يسمّى بتطوّر المستضدات، هي قدرة الفيروس على التغيّر، بحيث يمكن تجنّب حماية المريض أو الشخص الملقّح. وإنّ متحوّر "أوميكرون" الذي يتجنّب منظومة المناعة بسهولة مقارنة بالمتغيّرات السابقة، يؤكّد على أنّ الفيروس قادر بسرعة على اكتساب هذه الخصائص.
وقد تمايز الموقف الروسي عن الموقف الأوروبي، واقترب من الموقف الأمريكي، حيث أعلن الدكتور كامل حافيظوف، من هيئة حماية المستهلك، أنّ نسبة الإصابات بـ "أوميكرون الخفي" ارتفعت في روسيا، ومع ذلك لا نتوقّع موجة جديدة.
وأشار الخبير في حديث لوكالة نوفوستي الروسية للأنباء، إلى أنّ نسبة الإصابات بـ "أوميكرون الخفي" ترتفع تقريباً في جميع مناطق روسيا، ولكن لا نتوقّع حدوث زيادة حادّة في عدد الإصابات.
ويضيف، بعد ظهور وانتشار متحوّر "أوميكرون" في جميع أنحاء العالم، تمكّن العلماء من تمييز خطوطه الفرعية BA.1، BA.2، BA.3. وقد أطلقوا على BA.2 (أوميكرون الخفي).
ويقول، "تزداد نسبة الإصابات بـ BA.2 في روسيا أيضاً، حتى بلغت في مناطق وسط البلاد أكثر من نصف جميع الإصابات الجديدة، بمتحوّر "أوميكرون"، الذي عملياً موجود في جميع مناطق روسيا تقريباً.
ويؤكّد الخبير، على أنّه من غير المتوقّع حدوث زيادة حادّة بعدد الإصابات في روسيا، لأنّ نسبة كبيرة من السكان نشأت لديهم مناعة ضدّ المرض نتيجة التّطعيم أو بعد تعافيهم من المرض.
ويضيف، عدد الحالات المكتشفة فعلاً أقلّ بكثير من المستويات المرتفعة التاريخية الأخيرة، ففي موسكو مثلاً، عدد الإصابات عموماً قريب من مستوى الإصابات منذ بداية الوباء.
أمّا منظّمة الصحة العالمية فقد أعلنت أنّ عدداً من دول أوروبا، مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، رفعت "فجأة" تدابير مكافحة فيروس كورونا، وتجد نفسها تواجه مجدداً ارتفاعاً واضحاً بعدد الإصابات.
وعن الموقف الرّسمي للمنظّمة، فقد أعلنت في التاسع من مارس/آذار أنّ العلماء اكتشفوا متحوراً جديداً من فيروس كورونا.
وقد سُمّي بشكلٍ غير رسمي "دلتاكرون"، لأنّه مزيج من متحوّري دلتا وأوميكرون.
ولا تصنّفه منظّمة الصحة العالمية حتّى الآن كـ "متحوّر مُثير للقلق".
والسؤال هنا هو لماذا هذا التّمايز في المواقف الأوروبيّة عن مواقف روسيا وأمريكا ومنظّمة الصحّة العالميّة، وهل هو تمايز علمي محض، أم أنّه تمايز مسيّس يتعلّق بأوضاع داخلية سياسيّة أو أمنيّة أو اقتصادية، أم أنّ الأمر يتعلّق بالأساس بحالة وبائيّة وصحيّة خاصّة في أوروبا تجعل هناك قلقاً أوروبياً خاصاً؟
أسئلة قد تتضّح إجاباتها في الأيّام القادمة مع تطوّرات الأحداث ومزيد من التّقارير.