(إيهاب شوقي \كاتب صحافي مصري)
الوافد الجديد على شعوب العالم والذي شكل ضيفا ثقبيلا وبغيضا، ربما يكون له بعض الاوجه الايجابية، حيث يحمل الفيروس معه ادبيات خاصة لطالما اختفت من ممارسات الشعوب رغم توفرها في موروثاتهم وثقافاتهم.
واهم هذه الادبيات التي تفرضها مواجهة الفيروس، هي المسؤولية الفردية، والدور الذي يقع على عاتق كل فرد في حماية نفسه وحماية الاخرين.
ربما انتفت هذه الادوار الشخصية وبالتالي منظومة المسؤولية الفردية، مع التراكم الحضاري وما استتبعه من نشوء دول حديثة، شكل الفرد فيها ترسا في الماكينة العامة، بعد ان كان في وقت سابق هو الماكينة ذاتها.
فقد كانت المجتمعات البدائية تجعل من الفرد دولة بذاته، فهو المسؤول عن طعامه وشرابه وحماية نفسه، وهو الوحيد صاحب القرار في الترقي وتطوبر امكانياته ومعيشته، بينما الدول الحديثة ذات المؤسسات خلقت نمطا اخر، جعل من الفرد جزءا من مجموع، وخلقت وسائل اخرى للترقي مرتبطة بالاحتكاك وتخضع لقوانين جدلية وتفاعلات اجتماعية ادت لنشوء علوم الاقتصاد والسياسة والاجتماع وغيرها من العلوم الحديثة.
هنا نحن لا ندين الحضارة الحديثة ولا التطور، ولم ننتقد تخلي الافراد عن المسؤولية الفردية، والتي كان يجب ان يحملوها معهم في رحلة الانتقال الى الحداثة.
وقد حثت الاديان وكل المدارس الاخلاقية على مسؤولية الافراد باعتبارهم رعاة ومسؤولين عن رعيتهم، وبأن المسؤولية الفردية هي الاساس للمسؤولية المجتمعية.
وبالقدر الذي نوجه به سهام النقد للدول والحكومات على تقصيرها تجاه الشعوب، فلا بد ان يوجه النقد ايضا للافراد على سلوكيات اللامبالاة والسلبية وعدم التحلي بالمسؤولية.
لا شك ان تفشي الوباء وما صاحبه من شعور بالخطر، كان بمثابة احياء للمسؤولية الفردية، واعاد للافراد ادبياتهم المنسية وعزز الثقة بدورهم تجاه انفسهم وتجاه محيطهم الاجتماعي.
ونأمل ان تظل هذه الروح مستمرة بعد زوال الخطر وانتصار البشرية على هذا الوباء، حيث الاستمرار في التحلي بهذه الروح يشكل ضمانة لعدم تكرار هكذا حوادث مأساوية، كما يشكل مناعة فردية ومجتمعية تتخطى ابعادها المجال الصحي الى مجالات اوسع في السياسة والاستقلال الوطني وقضايا التطور والتنمية.