إيهاب شوقي
جانب جديد يطفو على السّطح من تداعيات فيروس كورونا، وهو الجانب المتعلّق بمتوسط الأعمار، حيث أفادت أحدث التقارير الروسية أنّ وباء فيروس كورونا أدّى إلى انخفاض متوسط العمر المتوقع للرجال في روسيا بمقدار 2.8 سنة وللنساء بمقدار 3.7 عام.
وقد أعلن العضو المراسل في أكاديمية العلوم، الروسية ورئيس معهد البحوث الديموغرافية التابع للمركز الفدرالي لعلم الاجتماع التابع لأكاديمية العلوم الروسية، سيرغي ريازانتسيف، في اجتماع هيئة رئاسة الأكاديمية الروسية، أنّ اتّخاذ تدابير السياسة الديموغرافيّة في روسيا، والتي بدأت في منتصف العقد الأوّل من القرن الجاري، قد قدّم ديناميكيّة إيجابية وناجحة إلى حدٍّ ما، بحيث اقتربت روسيا من مستوى بلدان شرق ووسط أوروبا، إلّا أنّ وباء فيروس كورونا قلّل من متوسط العمر المتوقّع، وسرق في غضون عامين 29٪ للرّجال و 58٪ للنساء من إجمالي الزيادة التي حقّقتها روسيا في الأعوام الماضية.
وفي بريطانيا، قال محلّلون في البنك الملكي الكندي إنّ وباء كورونا يخفّض متوسّط عمر البشر المتوقّع في المملكة المتّحدة بنحو تسعة شهور، ما يساعد على عكس اتّجاهات العمر الطويل.
وذكرت وكالة "بلومبرج" للأنباء أنّ تقديرات محلّلي أسهم التأمين جوردون أيتكين ومانديب جاجبال استندت إلى إحصائيّات من معهد وكلية الخبراء الأكتواريين، بالإضافة إلى بيانات من شركات التأمين.
وكتب الخبيران في مذكّرة للعملاء: "يحتمل أن تكون هناك موجات مستمرّة لكورونا، وتراجع الحالة الصحيّة بسبب طول أمد الوباء ... يحتمل أن تكون هناك تأثيرات من الدرجة الثانية مثل تأخّر التّشخيص والعلاج للأمراض الأخرى، ويحتمل أن يكون تأثير التباطؤ الاقتصادي مضرا".
وقد قال المعهد الملكي الكندي إنّ زيادة الوفيّات سوف تسمح لشركات التأمين على الحياة بإنفاق المزيد من الأموال التي كنت تنحّيها جانبًا في الاحتياطيّات، ما يعزّز أرباح التّشغيل بنحو 7.4 مليار جنيه إسترليني (9.8 مليار دولار)، أو 16%، كلّ عام على مدى الأعوام الخمس المقبلة.
وتأكيدًا لهذا التّحليل، أظهر تقرير صادر لخبير الأوبئة في جامعة يونيفيرستي كوليدج لندن، مايكل مارموت، انخفاض متوسط العمر البشري المتوقع بمقدار 0.9 عام في جميع أنحاء إنجلترا في عام 2020.
كما ذكر تقرير في المجلة الطبيّة البريطانية، أنّه تمّ فقد 28 مليون سنة من أعمار البشر في عام 2020 في 31 دولة شملتها الدراسة.
وقد ألقت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، الضوء على هذه القضيّة في تقرير لها، حيث قالت أنّ متوسط العمر المتوقّع في معظم أنحاء أوروبا والولايات المتّحدة شهد انخفاضاً في عام 2020 جراء جائحة فيروس كورونا المستجد، وفقاً لبحث من جامعة أكسفورد البريطانية.
وأضافت، أنّ مكتب الإحصاء الوطني في بريطانيا قال، إنّ متوسّط العمر المتوقّع للرّجال في المملكة المتحدة انخفض لأول مرّة منذ 40 عاماً.
وكان متوسّط العمر المتوقّع عند الولادة للرّجال يقدّر بـ79 عاماً في السنوات الثلاث حتى 2020، وانخفض مرة أخرى إلى المستوى الذي شوهد آخر مرّة في 2012 – 2014، في حين لم يتغيّر متوسط العمر المتوقّع للإناث تقريباً، حيث كان أقل بقليل من 83 عاماً.
ولفت التقرير إلى أنّ متوسط العمر المتوقّع لا يتنبأ بالعمر الفعلي، لكنّه يقدّم لمحة سريعة عن تأثير الجائحة التي يمكن مقارنتها بمرور الوقت وبين البلدان والسكان المختلفين.
وقد تناولت صحيفة واشنطن بوست القضية، حيث أشارت إلى أنّ الدراسة الدولية المنشورة في دورية BMj، قد بحثت التّغييرات في طول العمر في 37 دولة متوسطة ومرتفعة الدّخل، والتي قال الباحثون إنّ بياناتها الموثوق منها كانت متاحة، وبقيادة أستاذ الصحّة العامّة بجامعة أكسفورد، حيث تناولت الدراسة السنوات المهدورة، والتي تقيم دقّة الوفيات المبكرة بين الموتى مقارنة بأعمار الراحلين بتوقّعات حياتهم.
وقال الباحثون إنّ نتائجهم تبرّر بشكل قوي تقدير أكثر دقّة للأرواح المفقودة، حيث فقدت أكثر من 222 مليون سنة من العمر في عام 2020، أي 28.1 مليون سنة أكثر ممّا كان متوقّعا.
وحدث أعلى انخفاض في متوسط العمر المتوقع في روسيا، حيث فقد الرّجال 2.33 عامًا إضافيًا عند الميلاد، بينما فقدت النساء 2.14. وكانت الولايات المتحدة في المركز الثاني، حيث فقد الرجال 2.27 عاما إضافيًا، بينما فقدت النساء 1.61، وحلّت كلّ من بلغاريا وليتوانيا وتشيلي وإسبانيا في المراكز التالية.
وفى ستّة دول أخرى، وهى نيوزيلندا وتايوان وايسلندا وكوريا الجنوبية والنرويج والدنمارك، حيث كان ينظر إلى استجابة الوباء على أنّها فعّالة إلى حدٍّ كبير، فإنّ متوسّط العمر المتوقّع إمّا زاد أو لم يلاحظ أي تغيير.
وتقول تقارير التّحليلات الاقتصادية، أنّه، وبينما يمثّل ارتفاع متوسط الأعمار عبئا على بعض المجتمعات، فإنّه قد يصبح مكسبًا هامًا لمجتمعات أخرى، وهذا يتوقّف على استعدادها للتحديّات التي يفرضها ارتفاع أعداد المعمّرين، وقدرتها على تحديد المكاسب وزيادتها إلى أقصى حد.
وبالتالي فإنّ هذه التداعيّات قد تصبح خلاصًا ومخرجًا للدول الفاشلة التي تعتبر المواطنين وكبار السّن عبئًا، بينما تمثّل خسارة للدول الناجحة التي تستغل الثروة البشرية وتستطيع توظيف كبار السّن والاستفادة منهم.