أحمد فؤاد
انعقدت ثمّ أنفضت ما أُطلق عليها "قمّة المُناخ " أو كوب 27، في مُنتجع شرَم الشّيخ بمصر، انعقدَت ثمّ انفضّت بلا نتيجة على الإطلاق بالنّسبة لقضايا المُناخ ودرجة حرارة الكوكب والملوّثات التي تدفعها اقتصاديّات الدّول الصناعيّة في الغلاف الجوّي سنويًا، وتتسبّب في موجات الجفاف والاحترار والتقلّبات الحادّة في الأجواء، انعقدت ثمّ أنفضت على القواعد الغربيّة القديمة ذاتها، لتتحوّل إلى "مكلمة" ومناسبة لالتقاط الصّوَر، ليس أكثر.
المُثير للسّخرية والأسى، في آن، أنّ الدّول الغربيّة قد ركّزت، ودقّق إعلامها وقنواتها، على ملف الدّولة المستَضيفة الكارثي بالنّسبة لحقوق الإنسان، ونجحت تمامًا في وضع النّظام المَصري في الزّاوية، ليتحوّل هدف التّلميع العالمي من استضافة هذا الحدث الضّخم إلى فضيحة دوليّة على رؤوس الأشهاد، فضيحة تكلّفت أكثر من 15 مليار جنيه من موازنة عاجزة لدولة عاجزة، وبعد كلّ شيء، انعقدت ثمّ انتهت بلا نتائج، سوى بعض الوعود الفارغة بالتّحول إلى المصادر الخضراء البديلة للطّاقة، وتشجيع الدّوَل على إطلاق مبادراتها الخاصّة بهذا الشّأن.
الدّول العربيّة لا يهمّها في أسباب التّغيير المُناخي كثير أو قليل، حتّى لو توقّفت كلّ الدّول العربيّة عن التنفّس، وليس فقط التّصنيع، فلن تستطيع تغيير نسب الانبعاثات الكربونيّة المُنطلقة إلى الغلاف الجّوي للكوكب، وكلّ ما أنتَجته الدّول العربيّة من دخّان، قبل حتّى أن تعرف الثّورة الصّناعيّة، تطلقه مصانع الصين في عام أو عامين، وطبقًا للنِّسب التي أعلنتها الأمَم المتّحدة، فإنّ الدّول العشر الأولى المتسبّبة في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون تولد نسبة ثلثَي نسبة الانبعاثات العالميّة، بينما تولد 180 دولة النّسبة الباقية، والتي تقلّ عن النّسبة التي تولدها الصين وحدَها.
كان مفهومًا أنّ حضور الدّوَل العربيّة، ومعها دوَل الجنوب بشكلٍ عام، حضور بلا أجندة ولا خطّة ولا تنسيق، في مواجهة الدول الأكثر تقدّمًا وتلويثًا للأرض، وبالتّالي فإنّ إستراتيجيّة المواجهة الغربيّة كانت بسيطة وفعّالة، كثير من الكلام والكثير جدًا من القضايا الفرعيّة التّافهة، قد دفعت دفعًا إلى مقدّمة الحدَث، لتُسيطر عليه وتجذب كلّ الأضواء، وخرج الاجتماع الدّولي الأكبر حول المُناخ كما بدأ، عندَ نُقطة اللّا شيء.
ومن شرم الشّيخ إلى منتجع بالي بإندونيسيا، انطلق اجتماع عالمي آخر، من النّوع الذي يستحقّ بالفعل لقب "قمّة"، وهو تجمع مجموعة العشرين "G 20"، أكبر 20 اقتصادًا على الكوكب، والمتحكّمين بشكلٍ شبه كامل في السّوق العالميّة، وتُسيطر هذه المجموعة على 80% من النّاتج المحلّي للعالم، وعلى 75% من التّجارة العالميّة، ويعيش بها 60% من سكّان الكوكب.
يسيطر التجمّع على أغلب ثروات الكوكب وقدراته الصناعية وتجارته ومنتجاته، النّاتج المحلّي الإجمالي للعشرين دولة يبلغ 78 تريليون دولار، دون حساب الاتّحاد الأوروبي كاملًا، تتصدّر الولايات المتّحدة الدّول بهذا التّرتيب (النّاتج المحلّي الإجمالي الأسمى)، بناتج يبلغ 25 تريليون دولار، وتَليها الصين بناتج 18 تريليون دولار، ثمّ اليابان فألمانيا بناتجي 4.1 و4 تريليونات دولار على التّوالي، ثمّ الهند 3.47 تريليون دولار، وتحلّ بريطانيا سادسًا بناتج يقدّر بـ 3.2 تريليون دولار، ثمّ فرنسا 2.7 تريليون دولار، وكندا ثامنًا 2.2 تريليون دولار، وروسيا 2.1 تريليون دولار، إيطاليا تريليوني دولار، ثمّ البرازيل 1.8 تريليون دولار، وكوريا الجنوبية 1.73 تريليون دولار، وأستراليا 1.72 تريليون دولار، والمكسيك 1.4 تريليون دولار، وإندونيسيا 1.29 تريليون دولار، والسعودية 1 تريليون دولار، ثمّ تركيا 853.4 مليار دولار، والأرجنتين 630.7 مليار دولار، وأخيرًا جنوب إفريقيا 411.4 مليار دولار.
وتنعقد القمّة الجديدة للمجموعة تحت شعار لافت ومعبّر بشدّة عن التحديّات التي تواجه الاقتصاد العالمي بشكلٍ عام، وهو: "لنتعافى معًا ونتعافى بشكلٍ أقوى"، في ظلّ التوقّعات السوداء التي تغلّف مستقبل الاقتصاد العالمي، وتهدّد الدّول الكبرى والنّامية بالدّخول إلى نفق الكساد وتراجع معدّلات النّمو، في فترة حرجة.
استبق صندوق النّقد الدولي الاجتماع المهم بتوجيه رسالة إلى القمّة، عن توقّعاته لأوضاع الاقتصاد العالمي، والتي جاءت متشائمة بشدّة، ويغلّفها القلق من إمكانيّات التّعافي وتُثير الشّكوك بشأن قدرة البنوك المركزية وسياسات التّشديد النّقدي وحدها على مواجهة موجة التضخّم الحالية في الولايات المتّحدة وأوروبا، بصفة أساسية.
وفي رسالة تمّ توجيهها من صندوق النّقد الدولي لقمّة مجموعة العشرين G 20 في إندونيسيا، توقّع الصندوق المزيد من الانكماش وتراجع النمو، مع تضافر 3 عوامل أساسية أدّت لكبح التّعافي العالمي، وهي: التداعيّات السلبيّة لتفشّي جائحة كورونا، ثمّ السياسة النّقدية المتشدّدة التي تتبعها البنوك المركزية لمكافحة التضخّم، وأخيرًا الإغلاقات الأخيرة في الصين، والتي ستؤدّي بدورها إلى نمو أقل كثيرًا من التوقّعات.
لكن الفارق الجوهري بين قمّة وقمّة، هو التركيز الهائل والواضح على لبّ الأزمة، والمحاولات القويّة لحلّها، من جانب قادة مجموعة العشرين، فمواجهة تهديد الكساد القائم ليس رفاهية يمتلكها الجميع، وهذه الدول ليست من نوع الأنظمة العربيّة العارية، المهزوزة الضّعيفة، بل هي دول تسعى إلى تحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسيّة، ولو على حسابنا، وهي قادرة على التّفاعل بينها لتجاوز أزمتها على الأقل، بينما لا يمثّل هذا التجمّع المهم لنا، سوى فرصة نادرة للمقارنة والفهم، ورؤية صورة تشكّل القرار العالمي من على الضفّة الأُخرى للنّهر، وهي على أي حال تجربة مُفيدة، ولا بدّ من مواجهة مواجع متابعتها بأكثر من عقاقير ومسكّنات الألم، لكن ذاكرة الأمّة العربيّة بحاجة –والآن بالذّات- إلى مواجهة موجعة مع النّفس مدفوعة بإرادة المعرفة، وحدها هذه المعرفة ربّما تكون قادرة على إيقاظنا من جرعات التّخدير الطويلة.