احمد فؤاد
تَقِف المُجتمعات أمام فترات الانتقال بنَوعٍ من الخشوعِ والتدبر، وفي إطلالةِ عامٍ جديد، يفكّرون ويأملون وربّما يتخيّلون السيناريو المُمكن للمُستَقبل القَريب، يَقِف النّاس، أو معظَمهم على الأقَل، لينظروا في ما كان ويقلبون وجوههم في ما هو آت، محاولين اكتشاف ما فاتهم وراح، وما يتوجّب عليهم فِعله أمام المستقبل وعواصفه، ليَنالوا -على الأقل- شرَف المُحاولة.
وأمَام العام الجديد 2023، تَضافَرت عوامل وتغيّرات هائلة في العالم والمنطقة والمُجتمعات العربية، ما يجعل الوقفة ضرورية ومطلوبة، والمُراجعة مسألة استمرار أو موت، وما يحول إعادة ضبط مسار العجَلات أمرًا ملحًّا، ومطلوبًا بحُكم الحاجة والضّرورة والهَدف، وفضلًا عن شرف المُحاولة الإنسانيّة بحدّ ذاته، فإنّ الحَقيقة الوحيدة في هذا الفَضاء العربي هي أنّ الحياة بالشّروط القائمة نوع من تأجيل إعلان الوَفاة.
طبقًا لأحدث تقارير البَنك الدولي، فإنّ 3 دول عربية تَقف على أعتاب الانفجار في العام الجديد 2023، وهي لبنان ومصر وتونس، لتنضمّ إلى قائمة دول قد فتّت قلبها الحرب ومزّقت أحشاءها النّزاعات المسلّحة، وهي السّودان وسوريا واليمن وليبيا، فضلًا عن قائمة أُخرى لدوَلٍ على شفير الأزمة، وهي المَغرب والجَزائر والعراق، بحيث أصبح الجوّ العام في كلّ مدينة عربيّة كُبرى هو الإحباط، وعنوان الأيّام الوَحيد هو البؤس.
وبدَلًا من أن ننصُت إلى الأصوات والتّراتيل والأدعية العَذبة في بَداية العام الجديد، فقد خرج إلينا العُلماء يدقّون نواقيس الخطر وصافِرات الإنذار، عقب اكتشاف المتحوّر الأحدث لفيروس كورونا، ومنحوه اسمًا بالغ الدّلالة والتّرهيب "يوم القيامة"، لتزداد الأوجاع والتّحديات الصّعبة القائمة، وتنفتح الجروح التي خرجنا بها من العام الماضي، والنّازفة أصلًا في جسد عاجزٍ هشّ، كلّه على بعضه عِللٌ وأمراض.
والوضع الصحّي بالعالم كلّه بات يأخذ التّهديد الجديد على مَحمل الجدّ، والتّقارير الغربيّة تؤكّد ارتفاع نسَب إصابات فيروس كورونا والمتحوّر الجديد في الصين إلى ما يزيد عن ربع مليار شخص، وهو رقم مُرعب بالفعل في شهر كانون الأوّل ديسمبر، وهي فَترة زمنيّة قياسيّة، ويعدّ المتحوّر الجديد "يوم القيامة" سُلالة جديدة من أوميكرون ويحمل اسم Omicron BF.7، وبالإضافة لخطَره الشّديد على الجهاز التنفّسي فإنّه أسرع أنواع فيروس كورونا انتشارًا والأكثر تسبّبًا في العدوى بين البَشر.
وحتّى نهاية العام 2022، فإنّ فيروس كورونا أصاب ما يُناهز 657 مليون إنسان، وأدّى إلى وفاة 6 ملايين و679 ألف شخص، لكن وفقًا لتصريحات من مدير منظّمة الصحّة العالميّة فإنّ المتحوّر الجديد يحمل مخاطر أكثر وأشد، مع انتهاج الصين لسياسة حذِرة بسبَب التداعيّات الاقتصاديّة المهولة لإستراتيجيّة "صفر كوفيد"، والتي كانت تتضمّن إغلاقات واسعة للمدن والنّشاط الاقتصادي، لكن الثّمن الفادح المدفوع جعلها تبدو أكثر مرونة في قرارات الإغلاق، وأكثر تكتّمًا في الإعلان عن أعداد الإصابات الجديدة ومدَى الانتشار للمتَحوّر الجديد، وهي تصرّفات قدر ما تُحقّق مصالح الصين تُهدّد العالم، وفق بيانات من منظّمة الصحّة العالميّة وتصريحات مديرها العام.
بالنّسبة للعالم العربي يبدو متحوّر يوم القيامة كابوسًا أكثر منه تطوّرًا أو خبرًا، فالوضع الصحّي في كلّ الدّول العربيّة مأساوي، وقدرات المستشفيات والأطبّاء بالغة التدنّي والسّوء، وفي ذروة انتشار فيروس كورونا كانت أغلب الحكومات العربيّة –عدا البتروليّة- تتسوّل اللّقاحات من الشّركات والدّول المُنتجة، ولا تَعني كثيرًا بأمر التّهديدات الصحيّة المُحتملة لبَعض أنواعها، خصوصًا الأميركيّة منها، في ظلّ عجزها عن توفير الموارد اللّازمة للمُواجهة، وفشلها الواضح في عمليّة إدارة الأزمَة، وسقوطها في اختبار عبورها.
ويُضاف إلى المأساة العربيّة القائمة والمستمرّة حقيقة أنّ الغرب، وفي ظلّ حاجته الشّديدة للأطبّاء وكفاءات القِطاع الصحّي، وبدفع هائل من الأزمات الاقتصاديّة والمجتمعيّة التي تعصف بالدّوَل العربيّة، قد لجأ إلى استنزاف مواردنا البشريّة من الأطباء وأطقم التّمريض والرّعاية الصحيّة، والتي يتّجه أغلبها إلى أوروبا مع ضعف المرتّبات وغياب أساسيّات الصحّة في بلادنا، وكمثال واحد فقط، فإنّ عدد الأطبّاء المصريين ممّن هاجروا فعلًا إلى دوَل الخليج وأوروبا قد وصل إلى نسبة 65% من الأطبّاء العامِلين، وفقًا لتَصريحات عدد من نوّاب البرلمان الموالي للنّظام، وهي نسبة جدّ مرعبة فإذا ما أضفنا إليها العجز الشّديد في المُستشفيات، نَقِف أمَام جريمة كاملة الأركان بحقّ النّاس وصحّتهم وآلامهم.
والسّؤال الوَحيد المطروح، هل نستطيع مجابَهة هذا الغول الجَديد القادم بهذه الأوضَاع البَائسة، الإجابة بالقَطع لن تكون مطمئنّة أو إيجابيّة، والطّريق الذي نَسير فيه وراء الغَرب لم نُعاين فيه ثَمرة واحدة، ولعلّ هذه الأجراس والإشارات المدَوية كلّها تُعيدنا إلى سؤال كيف وقَعنا في هذا الفخّ، وكيف فشلنا في تعلّم البديهيّة الأساسيّة والأولى لأي عمل وطني، وهي أنّ الشّعب الذي لا يأكل ممّا يَزرع ولا يَلبس ممّا يَصنع يسهُل التّلاعب به وبمصائِره، أو تدمِيره.