(إيهاب شوقي/ كاتب صحافي مصري)
شهر واحد فصل بين 19 ابريل و19 مايو لتحدث به قفزة هائلة في عدد اصابات ووفيات فيروس كورونا بمصر، حيث سجل تقرير وزارة الصحة المصرية بتاريخ 19 ابريل 2020 ، 112 اصابة و15 حالة وفاة، وكان مجموع الاصابات وقتها 3144 مصاب واجمالي الوفيات 239 حالة.
بينما سجل تقرير الوزارة ليوم 19 مايو 2020، 720 اصابة جديدة، و14 حالة وفاة، ليرتفع عدد المصابين الى 13484 اصابة وعدد الوفيات الى 659 وفاة.
وبعملية حسابية بسيطة، فإن الاصابات زاد عددها في شهر واحد الى 10340 حالة، وازدادت الوفيات الى 420 حالة.
وهي بلا شك قفزة تثير القلق، لا سيما اذا ما قورنت بوضع الرعاية الصحية في مصر والامكانيات المتاحة للقطاع الصحي وحالة المستشفيات، وعدد الاطباء وتوافر مستلزمات الرعاية واجهزة التنفس.
وما يثير القلق اكثر من ذلك، هو ان عدد الحالات المسجلة، هو عدد من اجريت لهم التحاليل، وهو ما يعني بلا شك ان هناك اعدادا اخرى لم تكتشف لعدم خضوعها للتحاليل، ناهيك عن حالة اللامبالاة الشعبية والمتمثلة في انتهاكات الحظر وعدم الالتزام باجراءات السلامة في قطاعات واسعة، وهو ما يؤكد وجود حالات كثيرة غير مكتشفة، ناهيك عن توقع تضاعف الاعداد بفعل المخالطة!
ربما سادت حالة من الطمأنينة لدى المصريين نظرا لثبات الارقام عند حدود امنة الى حد كبير لفترة طويلة، ناهيك عن قلة اعداد الوفيات مقارنة باعداد وفيات امراض اخرى وحوادث الطرق وغيرها من الامراض التي تفتك بالمصريين بفعل التلوث والاهمال، الا ان القفزة التي حدثت في اعداد المصابين والوفيات لا بد ان تدق جرس انذار كارثيا اذا ما تزامن مع حالة الاهمال واللامبالاة العامة.
هناك مصريون بلا شك يتمتعون بوعي كبير، وملتزمون باجراءات العزل ومتطلبات السلامة والوقاية، ولكن هذا الوعي والالتزام، لا قيمة له امام وباء ينتشر وينتقل من المهمل الى الملتزمين.
ولا شك ان تخفيف قبضة الدولة وتلويحها باستئناف الاقتصاد وتخفيف اجراءات الحظر تدريجيا، ساهمت في حصول طمأنينة خادعة لدى المواطنين.
كما ان تشديد قبضة الدولة في بعض المناطق وتراخيها في مناطق اخرى، هو بمثابة العبث، ويشبه اهدار حالة الالتزام لدى البعض بفعل عدم الالتزام العام، حيث تتأثر المناطق الخاضعة للقبضة القوية، بالمنتقلين من مناطق القبضة الرخوة!
كنا ان الحظر الجزئي لا معنى له في ظل عدم الاتزام باجراءات الوقاية في ساعات الانفتاح، وهو ما يعني ان الحظر الليلي هو مجرد خدعة ووهم، وفاعليته في تقليل عدد الاصابات واهية للغاية بعد الاهمال الحادث في ساعات الصباح.
لا شك ان هذا الوباء جاء كاختبار صعب، ولا سيما لحكومات غير مستعدة لاجراء انضباط مجتمعي بفعل نقص في الامكانيات وضعف في الاقتصاد، ناهيك عن غياب روح وطنية جامعة متدربة على الازمات ومواجهتها، وهو ميراث عقود من غياب القضية الوطنية والانفتاح غير المحسوب على الاستهلاك والتفريط في الثوابت الوطنية.
ولا شك ان استدعاء الروح الوطنية في معركة الدولة مع الارهاب غير كافية رغم شرعيتها.
والسبب هنا هو ان مصر تحتفظ بعلاقات وطيدة مع رعاة الارهاب، بداية من امريكا والعدو الصهيوني، وصولا الى دول الخليج التي مولت الارهاب وزرعت افكار التكفير.
هناك قناعة شعبية متزعزعة وغير راسخة بأن المعركة مع الارهاب غير مكتملة، فهي رغم احقيتها وشرعيتها، الا ان تحالفاتها متناقضة مع روحها.
والمحصلة هي افتقاد التعبئة العامة وما يستتبع ذلك من افتقاد الروح العامة المنضبطة.
الاعلام المصري الذي يسب التكفيريين ورعاتهم الاتراك، يسب في ذات الوقت قوى المقاومة التي تقاتل الارهابيين والتكفيريين، ورغم ان معركة مصر وسوريا واحدة، فإن مصر لا تقيم علاقات مع سوريا في حين تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني.
لا يستغربن احد ان تكون هناك علاقة بين هذه التناقضات، وبين الوعي والالتزام المجتمعي والمتمثل في جائحة كورونا.
لا مخرج من هذه الكارثة الا باستعادة الروح الوطنية عبر استعادة المصداقية وعودة مصر لدورها الطبيعي في معسكر المقاومة.