"ما قمتُ به هو واجب ديني ووطني.. أفتخر به"؛ بهذا الموقف قابلت الراهبة اللبنانية مايا زيادة أحد المسؤولين التربويين من الجنوب الذي اتصل بها متضامنًا، بعد ما تعرضت له إثر تسجيل لها انتشر، يتضمن صلاة تضامنية مع أهل الجنوب في وجه الاعتداءات الإسرائيلية.
بات تأييد اللبناني الذي يدافع عن أرضه وشرفه ودينه بوجه عدو يقتل النساء والأطفال مستغربًا ومستهجنًا من قلة تغرّد خارج السرب الوطني. هؤلاء المنبطحون الذين يريدون وطنًا على شاكلتهم؛ شنّوا حملة منظمة ضد معلّمة الأجيال الراهبة مايا زيادة على خلفية كلمة توجيهيّة لتلامذة مدرسة "الحبل بلا دنس"، في بلدة غبالة في فتوح- كسروان لمناسبة عيد المعلم، دعت فيها إلى الصلاة من أجل أطفال غزّة والجنوب اللبناني ورجال المقاومة الذين يدافعون عن أرضهم.
هذه الحملة لم تكن تقصد الراهبة بشخصها بقدر ما هي تستهدف "الهوية الوطنية اللبنانية" في صميمها، كاشفةً عن بعض النفوس الموتورة التي لم تقرأ التاريخ جيدًا عن مجازر "إسرائيل" في فلسطين ولبنان منذ قيامها، وعن حرقها وقصفها للقرى وتهديم البيوت على رأس ساكنيها.
ما قامت به مايا زيادة يعبّر عن تعاليم الديانة المسيحية الحقّة الرافضة للظلم والعدوان والقتل والتدمير والتشريد والتجويع، كما أوصى السيد المسيح (ع). وموقفها الشجاع تلاحم مع موقف مقاومين نذروا، بالأمس، دماءهم لسيدة معلولا وطهر راهباتها وكل المقدسات التي طالتها يد الإرهاب. وهذا ما عبّرت عنه حين تهافتت عليها الاتصالات من جميع أبناء الوطن من كل الطوائف والمناطق تحيي موقفها البطولي. إذ قالت في اتصال مع أحد التربويين من الجنوب: "نحن أبناء هذه الأرض، أحزابنا وطوائفنا شئنا أم أبينا، وقدرنا أن نحبّ بعضنا بعضًا، وإلا بقينا في قعر الجحيم، وأنا أكبر بمحبّة أهل بلدي لي، وما قلته أمام تلاميذتي هو ما أوصى به سيدنا المسيح وكل الرُسل".
وقالت زيادة: "أنا كنت في الجنوب، خلال حرب تموز 2006، وخبرت طيبة أهل الجنوب، وأنا مُرسلة أشتغل للإنسان بعيدًا عن أي إنتماء ديني وسياسي". وأضافت: "لقد ولدت في قرية شحتول في منطقة كسروان، في بيت متواضع جدًا، يحب كل الناس ويشعر بآلامهم، وما قمت به هو واجب ديني ووطني أفتخر به".
بالرغم من تنافس ناشطين وإعلاميين عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي للنيل من الراهبة ومحاولة التبرؤ من كلامها، إضافة إلى عدد من الأهالي الذين توجّهوا معترضين عند بكركي متّهمين إياها القيام بـ"غسل أدمغة" أطفالهم، إلا أن الغالبية من أبناء الوطن حيّوا موقفها الإنساني الوطني المشرّف المعبّر عن قلب طاهر وعقل ديني صادق ونظيف، لم تنجح بتلويثه الهلوسات المريضة.
عدد من الشخصيات الوطنية، في البيئة المسيحية، انتبهت إلى أن الحملة على المُربية مايا زيادة هي استهداف لمفهوم الوطنية اللبنانية وليست من مفردات الخلاف السياسي في النظر إلى الحرب، إذ خاطبها أحد المغرّدين بقوله: "جميلةٌ أنتِ كزهر ليمون الجنوب".
وهكذا كانت بوصلة الأخت زيادة فلسطين، لهذا رصعّت صفحتها على موقع "الفايسبوك" بعلم فلسطين في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2023، فبرأيها لا حياد مع المحتلّ، لا حياد مع مجرمين يرتكبون الجرائم والمجازر في غزة وفلسطين والجنوب.
إذًا، إنَّ أعظم ما في كلام الراهبة المسيحية المجاهدة على طريق القدس وبيت لحم أنها وجهت صفعة لتلك الثقافة البائدة، ولتلك الذهنية الطوائفية التي ما تزال متجذرةً في بعض النفوس والأفعال والأقوال. وإن خيار المقاومة، وكذلك دماء الشهداء في الجنوب التي باركتها رسالة الأخت مايا زيادة، هي النور الحقيقي لوطن الوحدة في وجه العدو الصهيوني المتربّص بنا والمعتدي على أرضنا وشعبنا وثرواتنا القومية، والشهداء الذين يروون بدمائهم أرض الجنوب هم شهداء الوطن وحماة سيادته واستقلاله وعنوان الشرف والكرامة الوطنية.