(إبهاب شوقي/كاتب صحافي مصري)
دون تفتيش في الضمائر او خضوع لنظرية المؤامرة، او حتى البحث عن المسؤول، فإن الوضع العالمي الراهن بدا عاجزا بشكل رسمي عن تقديم حل لازمة كورونا المركبة، والتي تشتمل على ابعاد صحية متعلقة بحياة البشر وسلامتهم، وابعاد اقتصادية واجتماعية تصل في نهاية الامر لحياة الناس وسلامتهم ايضا.
وبدت محصلة الوضع الراهن هي المفاضلة بين خيارات مرة كلها، وبدت نذر تغليب كلمة الرسمالية العالمية على خيارات الشعوب الذاتية كلّ وفقا لظرفه وامكاناته.
ولمزيد من الايضاح، فإن هناك مفاضلة بين استمرار الاغلاق واتباع سياسة التباعد الاجتماعي بكل ما تحويه من اضرار ومخاطر اقتصادية، وبين اتباع سياسة مناعة القطيع بكل ما تحتويه من مخاطر صحية وضمانات كافية.
والى وقت قريب كان السائد هو موازنة كل دولة لامكاناتها ومدى تحملها لكافة الخيارات وبناء على الموازنة تتخذ قرارها.
بينما اليوم نلمح توجها عالميا يتجاهل الظرف الذاتي لكل دولة، وهو استمرار لسياسة العولمة والتي تنشغل الرأسمالية العالمية بإنقاذها ولا تنشغل بانقاذ البشرية من اضرار الوباء ومخاطره.
لا شك ان الرأسمالية تنشغل بالسوق، وتتعامل مع البشر كمستهلك، وشرائح مستهدفة تسويقيا، وارقام.
ولا تنشغل الراسمالية كثيرا بالعامل الانساني في تصنيف الشرائح كالمرضى وكبار السن او موقع هذا الرقم في اسرته كرب لها او قيمة الانسان كمفكر او طبيب او عالم او قدوة اجتماعية يمكن ان يشكل فقده خسارة، او غيرها من العوامل الانسانية التي لا توجد بقاموس التجارة والاستهلاك.
ويبدو ان تبعية الدول لا زالت تفرض عليها قيودا تحول بينها وبين اتخاذ قرار مستقل مسؤول، وهو ما قد يقود لكارثة كبرى في الدول التابعة والتي قيدت نفسها بخيارات اقتصادية لا تستطيع معها الا الانصياع لمنظمات العولمة وقراراتها.
يبدو ان العولمة وجدت نفسها امام موجة عاتية بفعل تفشي الوباء، فلم تجد الا الكمون التكتيكي، ويبدو انها اليوم تعيد كرتها على البشرية وتلجأ للهجوم وفرض كلمتها بعدما لمست تخاذلا واستسلاما من الدول التابعة، وتواطؤا واصرارا على الفساد والهيمنة من الدول الكبرى.
وتبقى الشعوب دائما تمارس دور المتلقي وتتعامل مع السياسات الدولية والمحلية بشكل قدري، فلا هي قادرة على التزام سياسة العزلة ولا قادرة على تحمل مخاطرة مناعة القطيع، ولا هي تطالب باستقلال للقرار وادارة ناجخة للازمة.
نحن امام مشهد يتجه لفضيحة اخلاقية كبرى بذريعة الاضطرار والجبرية، رغم ان خيارات اكثر امنا على البشر لم تستنزف ولم تطرح من الاساس، لكونها خطرا على الرأسمالية!
احد هذه الخيارات التي يمكن طرحها للمناقشة، هو خيار التنمية المستقلة وفتح المصانع والمزارع بشكل تبادلي آمن واعادة ترتيب اولويات ميزانيات الدول وفقا لظرف الازمة عبر تغليب نصيب الرعاية الصحية والامن الغذائي ومستلزمات الانتاج وتعديل شرائح الضرائب واجراءات للتأميم ان لزم الامر وفق خطة متدرجة المراحل.
لكن هذه الخيارات المؤثرة على مصالح كارتيلات الاقتصاد العالمي الكبرى لا تناقش.
ولعل المتابع يلاحظ ان الدول التي تدفع باتجاه استئناف الاقتصاد ومناعة القطيع، هي الدول المصنفة من نوعين، اما عتاة الرأسمالية، او عتاة الفشل والتبعية!