إيهاب شوقي (كاتب صحفي – مصر)
تتخطى تأثيرات وباء كورونا الحالية النطاقات الجغرافية لتصل الى نطاقات زمنية مستقبلية، حيث تلقي بكثير من الشك والغموض حول المستقبل وطبيعة العلاقات الدولية، وكذلك طبيعة التحولات الاقتصادية والاجتماعية داخل البلدان، وخاصة البلدان الفقيرة والتابعة.
والبلدان الفقيرة هنا، ليست بالضرورة هي البلدان شحيحة الموارد، وانما هي البلدان المنهوبة اقتصاديا، سواء بفعل الارتهان الاقتصادي للخارج وفقا لقوانين العولمة، او بفعل الفساد الداخلي واتباع انماط اقتصادية فاشلة، او كلا الأمرين.
وقد اثبتت الاحداث وارتفاع عدد الضحايا وعجز الانظمة الصحية في دول ليبرالية عديدة، ان النمط الرأسمالي اثبت فشلا ذريعا في احتواء الطوارئ والكوارث، رغم عدم خلوه من هوامش للانظمة الاجتماعية الصحية، والتي قامت بالأساس لترقيع النظام الرأسمالي وحمايته من العواصف الاجتماعية المحتملة.
ولعل مايك ديفيس مؤلف كتاب "عالم الأحياء الفقيرة" و "مدينة الكوارتز"، قد لخص الوضع المأساوي للوباء في ظل اكبر دولة رأسمالية في مقال له بعنوان "أزمة كورونا وحش تغذية الرأسمالية"، عندما ركّزعلى النظام الرأسمالي المتوحش في الولايات المتحدة الأمريكية على مدى تاريخه وكيف ساهم وصول ترامب إلى البيت الأبيض تحديداً في إصابة النظام الصحي الفيدرالي بكارثة أصابته بالشلل في مواجهة وباء كورونا.
فقد سلط ديفيس الضوء على تقليص ميزانية الإدارات الصحية في الولايات 21% في موازنة ترامب الأولى عام 2017، وكذلك اغلاق ترامب لمكتب الأوبئة التابع للبيت الأبيض والذي كان باراك أوباما قد أنشأه عام 2014 في أعقاب تفشي فيروس الإيبولا لضمان استجابة وطنية سريعة ومنسقة بشكل جيد لمواجهة أي وباء جديد.
الوضع اليوم يدفعنا لاعادة التفكير في النظم الاجتماعية والاقتصادية بعد تحطم العجول الليبرالية المقدسة امام فيروس غير مرئي بالعين المجردة، واعادة الاعتبار للانسان في مواجهة المادة وتسخيرها لخدمته بدلا من الوضع المعكوس والذي لا يخدم الا الناهبين والفاسدين الاشد خطرا من اي وباء