إيهاب شوقي (كاتب وصحافي مصري)
يحاول البعض الايهام بأن تأخر الوصول لحل لمشكلة تفشي وباء كورونا راجع للخلط والبلبلة والشائعات والتي تجعل الناس اما أن يتهاونوا أو أن يصابوا بالرعب، وكلاهما ضار، واما أن يقبلوا على ارشادات خاطئة تعقد الامور وتزيد من الاضرار.
ورغم أن هذا الطرح لا يخلو من صحة، حيث أصبحت كورونا سلعة تجارية اعلامية يتبارى الكثيرون سواء بالمواقع الاخبارية أو وسائل التواصل على أكبر عدد من المتابعات والمشاهدات دون تدقيق في المحتوى ودون تحمل للمسؤولية، الا أن ارجاع الامر لهذا السبب هو محض تدليس وتعمية على الفشل العلمي الغربي.
فقد تبارى الغرب دوما بامكاناته العلمية والطبية، واستخدم تقدمه استخدامًا سياسيًا في اقناع الشعوب بالتموذج الليبرالي، وبأن التقدم العلمي المذهل هو نتاج الديمقراطية الغربية، وكل هذه الدعايات التي ساعد في ترويجها ذيول الغرب من الممولين والموظفين لهذا الغرض تارة، ومن المفتونين المتبرعين بترويج النموذج الغربي في بلادنا على حساب نماذجنا العربية والاسلامية المشرفة.
وهنا وللانصاف أيضًا، لا يمكن انكار التقدم الطبي الغربي والجهود البحثية والاجتهاد في وضع منهجيات بحثية، ولكن ما نرفضه هو المغالاة في هذا التقدم، والمغالطة في ربطه بنموذج سياسي مثالي هو أبعد ما يكون عن ذلك، اضافة الى خطورة القناعة بوجود فجوة علمية بيننا وبين الغرب، لما ينتج عن هذه القناعة من احباط ويأس وتسليم بأمر واقع، ناهيك عن انه خاطئ ومخادع.
والجميع يعرف أن العقول العربية ساهمت في البحث العلمي والتقدم الغربي، وأن العلماء العرب من مصر ولبنان والعراق وكافة البلدان العربية، أثبتوا جدارتهم في مختلف المجالات الطبية والبحثية والتكنولوجية.
وهنا يمكن إرجاع التقدم الطبي الى سياسة التوظيف الغربية ومناخ الفساد الداخلي في أمتنا والشامل لفساد الاولويات واستسهال التبعية وفقدان الارادة.
وكشف فيروس كوفيد 19 عن خلل النظام العلمي العالمي ووقوفه حائرًا مرتبكًا، وهو ما يعني تعديل القناعات، بأنه ليس النموذج الاسطوري الذي يروج له، ويعني حتمية اعتراف هذا النظام بتواضعه امام كل مستجد، ومحاولة تعديل أنظمة التواصل العلمي وتخليصها من التسييس والتربص والاحتكار.
ولا شك أن هذه المحنة التي يعيشها الجميع، لا بد من أن تبرز دروسًا للاستفادة، ولا يصح أن تخرج الشعوب منها كما دخلتها، دون تعديل وتصحيح للقناعات، واهمها وهم الفجوة العلمية، ووهم النموذج الليبرالي الغربي، وكذلك حتمية تعديل الاولويات ومقاومة الفساد ونهج التبعية والذي نرى اصداء خطيرة له، تكمن في اتباع ما يمليه الغرب من سياسات لمواجهة الوباء وبروتوكولات علاجية قد يثبت خطأها دون اعتبار للظروف السياسية والداخلية للامة، ودون اجتهاد طبي داخلي للمساهمة في اكتشاف لقاح أو علاج للمرض.