إيهاب شوقي (كاتب صحافي مصري)
هل أصبح الاتهام بالترويج لنظريات المؤامرة سيفاً مصلتاً على رقاب الباحثين، مما يجعل مرور المؤامرات الحقيقية أمرًا يسيرًا دون اتهام بينما توجه الاتهامات للشرفاء أو من يُعملون العقول؟!
لا شك أن هناك مؤسسات كبرى لصناعة الوعي تسعى لتسفيه اي محاولات للاندهاش والتساؤل والذي يشكل اسس ومبادئ البحث العلمي بالأساس، ووضعها جميعاً في بوتقة واحدة تسميها نظرية المؤامرة. وبالبرغم من بعض المبالغات والشطحات الفكرية والتي تبتعد احيانا عن الموضوعية، فإن نظرية المؤامرة اثبتت صحتها في ملفات كبرى، ولم تكن مجرد نظرية، بل كانت رصداً وربطاً واستنتاجاً ثبتت لاحقا صحة الكثير منه.
وفيما يتعلق بوباء كورونا، فقد نشأت العديد من النظريات عن ظهوره وصناعته عمداً ونشره بشكل اجرامي، الا أن احدًا من مروجي ذلك لم يقدم دليلاً ملموساً، فظل الامر قيد التحليل السياسي، ولم يرق ليصبح اتهاماً مستنداً إلى أدلة. في حين أن تأخر اكتشاف لقاحات وعلاجات للمرض، إضافة الى تضارب التقارير والابحاث العلمية، أمر مختلف، وهو حقا أمر مثير للشبهات، والاتهامات به أقرب للواقع من التخمين او الخضوع لنظرية المؤامرة. وإن ثبت أن هناك تعمدا للتضارب والتلاعب والتأخير، فهو أمر لا يقل جرماً عن تعمد نشر الوباء او صناعته.
نبدأ من وقائع حقيقية حدثت منذ سنوات قليلة لنوضح ما نريد قوله:
في عام 2009 تحمس عدد من شركات الأدوية الكبرى لتطوير لقاح مضاد لإنفلونزا الخنازير، وتم الانتهاء منه بسرعة، ولكن ومع بدء انحسار رقعة انتشار الفيروس قامت الكثير من الحكومات التي تعاقدت مع شركات مثل "جلاكسو سميث كلاين" لشراء كميات كبيرة من اللقاح بفسخ عقودها، مما أثر سلبًا على أرباحها.
وفي عام 2014 وقعت نفس الشركة في أزمة جديدة، حيث استثمرت لسنوات في تطوير ثلاثة لقاحات لفيروس "إيبولا" وبعدها اضطرت للتوقف بعد وصولها للمرحلة النهائية من التجارب السريرية وذلك على خلفية تضاؤل عدد المصابين بالفيروس بشكل كبير قرب نهاية عام 2014.
وذكرت التقارير، انه ومع عدم وجود إمكانية تحقيق أي أرباح استسلمت "جلاكسو سميث كلاين" في نهاية المطاف وسلمت النتائج لمؤسسة غير ربحية بالولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين أصبحت هذه التجربة بمثابة عبرة لشركات الأدوية الكبرى الأخرى والتي أصبحت تفضل التركيز على علاجات الأمراض التي يوجد لها أسواق مضمونة كالسرطان والسكر.
والخلاصة هنا هو أن شركات الأدوية الكبرى تخشى أن تنتهي أزمة كورونا سريعا كما حدث مع أوبئة أخرى ولا تستطيع تعويض ما انفقته! وبخصوص تضارب الدراسات، فلدينا تصريح من وزير صحة فرنسي سابق، وهو الدكتور دوست بلازي، الذي علق ذات مرة وفي سياق الحديث عن دراسات منتشرة، أن معظم الدراسات العلمية زائفة!
ويرى الكثيرون أن الدراسات تصدر لخدمة شركات الادوية، سواء للترويج لمنتج بعينه أو لقطع الطريق على منتج منافس، أو لخلق بلبلة لاطالة امد الازمات.
اما عن الاحتكارات، فحدث ولا حرج، فحاليا، تتسابق 80 شركة ومؤسسة عالمية لإنتاج علاج لإيقاف زحف فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19"، ويبرز من بين هذه الشركات عدد محدود لاقى دعما من الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
ويبدو أن أي محاولة من خارج هذه الشركات تلقى حربا فورية وتسفيها وربما تهديدات!
فوفقًا لموقع "الحرة" قال الدكتور جوزيف فينيتس، طبيب الأمراض المعدية في كلية الطب بجامعة ييل، إنه تلقى "تهديدا" من شركة أدوية أمريكية كبيرة بعد قيامه بتسجيل تجربة على دواء "كاموستات ميسيلات"، العقار المصادق عليه في اليابان لمعالجة التهاب البنكرياس.
ويسعى الطبيب إلى اختبار مدى فعالية الدواء مع مرضى فيروس كورونا المستجد ويأمل في حال نجاحه أن يؤدي إلى "تغيير قواعد اللعبة".
لكن بعد أن سجل التجربة يوم 20 أبريل في "المعاهد الأميركية الوطنية للصحة"، تلقى الطبيب رسالة إلكترونية من ممثل الشركة، قال فيها إنها أيضا تسعى لإجراء تجارب سريرية.
ويشير فينيتس إلى أن الشركة أبلغته بأنها حصلت على موافقة من هيئة الأغذية والدواء الأميركية (FDA) للشروع في التجارب، بينما هو لم يحصل عليها بعد، وأنه بحاجة إلى تصريح من الشركة للوصول إلى المعلومات التي أتاحت لها موافقة الهيئة الوصول إليها.
وقالت الشركة إنها بحاجة إلى "فهم أفضل لدراسته" عن العقار، واقترحت إجراء مقابلة معه لمناقشة الأمر.
أما هو فاعتبر هذه الرسالة بمثابة "تهديد"، وفسرها بأنها تحاول أن تقول له: "يجب أن تمر من خلالنا وتعمل تحت وصايتنا".
مؤخرا، أظهر استطلاع حديث للرأي أن نحو ثلث الأمريكيين يعتقدون أن هناك لقاحًا وقائيًا موجودًا بالفعل مضادًا لفيروس كورونا، لكنه جرى حجبه. وأشار الاستطلاع – الذي أجرته صحيفة (يو إس إيه توداي) بالتعاون مع مؤسسة (صندوق الديمقراطية) المتخصصة في الدراسات الانتخابية – أن 44% من الأمريكيين يعتقدون أن فيروس كورونا ربما ظهر نتيجة لتجارب معملية.
وقال روبرت جريفن، مدير البحوث بالمؤسسة معلقا على نتائج هذا الاستطلاع: "هناك حالة خفية من عدم الثقة في المجتمع وفي النخب القيادية فيه، وربما يكون ذلك صادما للبعض، لكنه يمثل وجها مظلما من الحالة الذهنية لدى الجمهور الأمريكي".
ربما لم يذكر المعلق على الاستطلاع، أن هذه الذهنية قامت بالاستناد الى وقائع ملموسة وعلى تحليل للواقع الراهن الذي اصبح غير منطقي وفاحت منه رائحة التلاعب والاحتكارات.