(إيهاب شوقي/ كاتب وصحافي مصري)
من ضمن ما كشفه وباء كورونا من خلل في مستويات عدة، مثل الاولويات الاقتصادية والفجوة بين الصورة التي يتم تصديرها للتقدم العلمي والبحثي وبين الواقع المرتبك، وكذلك حجم الخلل في الوعي المجتمعي وسلوكيات بعض القطاعات، اضافة الى الاستغلال السياسي للوباء، يأتي الكشف لخلل الاعلام وفوضويته والانحرافات التي صبغت رسالته.
وان كان الاعلام دوماً ليس بريئاً من التسييس او التوجيه السياسي، فإن دوره في أوقات الأزمات ينبغي الا يمس او يتلوث او يتصرف بشكل غير مسؤول.
وفي أزمة نادرة اكتسبت صفة العالمية، ووسط اعلام عولمي مفتوح ومتعدد المنابر، تأتي مخاطر عدم الالتزام بالمهنية مضاعفة.
والمتابع للاعلام يرى تخبطاً وارتباكاً، حيث لا تتحرى معظم وسائل الإعلام الدقة في انتقاء التقارير الموثوقة او تبني الخطابات الحكيمة.
وقد انحرف الاعلام هنا من كونه وسيلة اعلام الى وسيلة اعلان!
وهناك فارق كبير، فالاعلام هو تحرٍّ للحقيقة وعلى تماس بالعلم وضوابطه وخاصة فيما يتعلق بالوقائع والحقائق، بينما الاعلان يتعلق بالدعاية دون فرز للسلع المعلن عنها، وان كان لا يخلو هو الاخر من ضوابط واجبة.
كم من تقارير متضاربة تنشر على وسائل الاعلام والصحف؟ وكم من تشوش وارتباك يلحق بالمتابع عند متابعته لوسائل إعلام متعددة؟ ناهيك عن دخول مواقع التواصل الاجتماعي الى عالم الاعلام كوسيلة وافدة تكمن خطورتها في شقين، الأول هو انها خالية من الضوابط، والثاني شعبيتها الجارفة واعتماد قطاعات كبيرة عليها في تلقي المعلومة!
كمثال بسيط، أفادت الأنباء بظهور جديد للفيروس في الصين وتحديدا في العاصمة بكين هذه المرة، وقد لحق هذا الخبر سيل من التقارير عن اكتشاف سلالة جديدة هي الأخطر، وعند البحث والتحري عن ظهور سلالات جديدة للفيروس، نجد ان هناك عشرات التقارير بهذا العنوان يعود أغلبها لثلاثة او أربعة شهور ماضية!
هل هو رعب متعمد أم سعي للإثارة ونيل أكبر عدد من المتابعات والمشاهدات؟ وهل يجوز أن تكون الإثارة او التنافس على المتابعات بنوداً في موضوع بهذه الحساسية والخطورة؟
هنا ربما تصعب مواجهة القائمين على هذه الوسائل من كارتيلات اقتصادية كبرى ومؤسسات تتعلق باجهزة استخبارات، ناهيك عن انفلات مواقع التواصل وخروجها عن السيطرة.
وبالتالي فإن المتاح هو مخاطبة المتلقي وتوعيته بأن يتحرى ويفرز ويدقق وان يكون على علم بأسلوب عمل هذه الوسائل. ويمكن للمتلقي أن يتأكد بنفسه من خلال تجربة صغيرة تتمثل في مقارنة العناوين البراقة بمضمون الأخبار ليكتشف انه في الغالب لا علاقة، ان لم يكن هناك تناقض!