(إيهاب شوقي/ كاتب وصحافي مصري)
كم ارتكبت جريمة التطبيع مع العدو الاسرائيلي تحت ستار مبررات واهية، وكم تم التفريط في الثوابت الوطنية والعربية بذرائع تارة اقتصادية وانسانية، وتارة واقعية وعملية، وكلها ذرائع مكشوفة لم تؤد بالقضايا المركزية وعلى رأسها قضية فلسطين الا الى طرق مسدودة ومحاولات للتصفية الكاملة.
ولعل مسارعة دول خليجية مؤخرا نحو التطبيع وبشكل علني غير مسبوق، رغم وصول القضية سياسيا لمرحلة التصفية وتجاوز البقية الباقية من الحقوق التي يعترف بها القانون الدولي رغم اهداره اصولا كبيرة لهذه الحقوق، يكشف ان التطبيع كان هدفا في ذاته وليس مجرد وسيلة لارجاع الحقوق كما ردد المطبعون في محاولة تصوير التطبيع وسيلة في مقابل وسيلة المقاومة!
الأحدث في سلسلة الذرائع، هو استغلال كورونا في التطبيع، وتحويل فضيلة التعاون الدولي لمواجهة الخطر الجماعي الى رذيلة الخيانة للقضية والتطبيع مع العدو الذي يصر على اهدار كامل الحقوق وليس حتى معظمها!
وقد نقلت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية عن رئيس الحكومة الصهيونية، بنيامين نتنياهو قوله، إن (إسرائيل) والإمارات ستعلنان قريبا عن تعاونهما المشترك في مجال محاربة فيروس كورونا.
وقال نتنياهو ان "التعاون سيركّز على البحث والتطوير في المجالات التي ستحسن تقديم الرعاية الصحية في جميع أنحاء المنطقة".
ويبدو أنَّ الامارات لم تجد في جميع انحاء المنطقة سوى العدو الاسرائيلي لتتباحث معه في تقديم الرعاية الصحية!
ولم يكتف نتنياهو بذلك، بل لفت إلى أن ذلك التعاون جاء نتيجة "لاتصالات طويلة ومكثفة في الأشهر الأخيرة"، مشيدا بذلك باعتباره "تقدما للجميع في الشرق الأوسط".
وجاءت هذه الخطوة الاماراتية تتويجا لخطوات علنية غير مسبوقة مثل ما نقلته وكالة "رويترز" عن وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، قوله إن هناك مجالات يمكن لبلاده العمل فيها مع (إسرائيل) مثل مكافحة "كوفيد-19" والتكنولوجيا،
وذلك في سابقة كبرى، وهي حضوره مؤتمر لـ"اللجنة اليهودية الأمريكية"، هذا الحضور الذي اعتبرت صحيفة "يسرائيل هيوم" الإسرائيلية أن قرقاش "يصنع التاريخ" فيه، مشيرة إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس سيكون أيضا بين المشاركين.
ومن المعلوم ان اللجنة AJC التي أسست عام 1906 تعد من أقدم المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة وتصف نفسها بأنها "مركز عالمي لتأييد اليهود و(إسرائيل).
انضمت كورونا اذاً الى عناصر مشروع الشرق الاوسط الجديد لشيمون بيريز والذي تقوم الامارات اليوم بدور العراب لتنفيذه على الارض بمشاركة خليجية تتميز بتسارعها وجديتها وعلنيتها دون مواربات.
الاسوا هنا، هو ان تفشي الوباء كان فرصة لاعادة ترتيب الاوراق واحياء ثقافة المقاومة والتعاون والاستقلال الوطني واعادة ترتيب الاولويات، بينما حوله الانهزاميون والمطبعون الى فرصة لتبرير انهزاميتهم وتطبيعهم وخيانتهم وهو ما ينذر بزوال قريب لهكذا انظمة تسبح ضد تيار حتميات التاريخ وسننه وتهدر فرص التوبة والاصلاح واحدة تلو الاخرى.