هدى محمد رحمة (اعلامية لبنانية)
في زمن الكورونا كثرت الأخبار، والمقولات والاقتباسات والتصريحات، لكن مع الأسف في هكذا ظرفٍ خطيرٍ وحساس، ومع أمس الحاجة إلى الدقة والمسؤولية والمصداقية، بات من الصعب التمييز بين ما هو صحيح وما هو خاطئ، وهذا التمييز مرتبط بالإيديولوجيا والثقافة وغيرها من المعايير التي تصب في نفس الخانة. ما يزيد صعوبة التمييز هنا هو صدور هذه الأخبار والتصريحات والاستنتاجات عن مصادر يفترض أن تكون غايةً في المسؤولية، وهي الإعلام وممتهنوه. لأن وسائل الإعلام هي المصدر الرئيسي لنشر وانتشار الأخبار وتداولها.
ضج لبنان في الآونة الأخيرة بأخبار انتشار وباء كورونا ضمن نطاق بلدية الغبيري، وتحديداً في منطقة بئرحسن/ حرش القتيل، وحي النور/ حرش ثابت (بالقرب من جسر الغبيري سابقاً وحي فرحات).
منذ انتشار هذا الخبر بدأت الإشاعات والأخبار المغلوطة، إن كان في عدد الإصابات، أو في أماكن المصابين، أو في الأسماء المصابة، بعدها تم التحقق من الأخبار وتصحيحها، لكنها قبل التصحيح أدت إلى أضرار في أكثر من جانب.
بلدية الغبيري (بالتعاون مع وزارة الصحة) قامت بواجبها جاهدةً اتجاه موضوع انتشار كورونا في هذه الأحياء، وتابعته كما يجب، فأجرت الفحوصات للمخالطين، على دفعات بحسب الحاجة وفي أكثر من مكان، وزعت المواد الغذائية والمياه على المحجورين، جالت في هذه الأحياء وعلى المحلات التجارية والغذائية، نشرت توصيات الوقاية، وعزلت بعض الشوارع.
في التعاطي مع مسألة وجود حالات كورونا في منطقة بئرحسن/ حرش القتيل ومتابعة هذه الحالات والمخالطين لها، لن أتحدث عن الجانب الصحي، هو بديهي ومعروف، ولا عن الشائعات وأضرارها، سأتحدث بما استفزني خصوصاً أني ابنة هذه المنطقة وهذا الحي، وأعرفه عن ظهر قلب. المستفز جداً خلال هذه الفترة هو ربط هذا الحي الشعبي بفكرة عدم الوعي والجهل والاستهتار. هذا التصريح ورد في الإعلام وعلى لسان إعلاميين. وهذا الكلام غير مقبول على الإطلاق، لا في المنطق ولا في الأخلاق.
نعم، بئر حسن هو حي شعبي، يفتقر للكثير من حقوقه، وبالفعل حقوقه مسلوبة. بئرحسن يعاني من إهمال الدولة والحكومات المتعاقبة، ويعاني على إثرها من خلل في البنى التحتية، والمياه، والكهرباء، والتنظيم وغيرها من المشاكل. هذه معاناة ومشاكل ليس سببها أهل الحي، سببها إهمال الدولة. نعم، أهل الحي فقراء، لم ينهبوا ولم يسرقوا ليصيروا أغنياء، هم يأكلون من عرق جبينهم، بكدهم وجهادهم اليومي في سبيل تأمين لقمة العيش وما لا يصل إلى الحد الأدنى من متطلبات الحياة.
لكن، هذا الحي الذي أفخر بانتمائي إليه خرّج مقاومين، وُلد وعاش فيه الكثير من الشهداء، قضوا طفولتهم في بيوته ولعبوا في أزقته. ربّاهم أهلهم، أهل هذا الحي الشعبي، الذين لم ينقصهم غنى نفسٍ وأصول تربية. وهذا الحي أيضاً خرّج متعلمين وأطباء ومهندسين وأكاديميين ومربين وإعلاميين وغيرهم، مثله مثل أي منطقة في لبنان. الفقر لا يعني الجهل، وهذه آمل أن تكون هفوة يتداركها الإعلام والإعلاميون الذين جزموا وربطوا بين العنصرين.
بالنسبة للاستهتار في موضوع وباء كورونا، وكوني أسكن هذا الحي، أعرف كثيرين من أهل الحي الذين التزموا بإجراءات الوقاية والتعقيم بحذافيرها، والذين يمتلكون حساً عالياً من المسؤولية. في المقابل وجدنا استهتاراً في مناطق متنوعة من لبنان، ومن ضمنها مناطق أرستقراطية.. لأن الاستهتار لا ينبع من المستوى المادي للفرد أو المنطقة، بل من المسؤولية الفردية والمجتمعية.
الإعلام بالدرجة الأولى رسالة ومسؤولية، لما فيه من تأثير في المجتمع والناس، على أهل الاختصاص مراعاة هذه الرسالة وهذه المسؤولية بدقة، لأنه الواجب الإنساني والأخلاقي الأول.