إيهاب شوقي (صحافي مصري)
رغم ما تشكله جائحة كورونا من أزمات ومصاعب تفرض تعاوناً أو على الأقل بعداً عن التراشق والصراعات وتعميق الأزمات، إلا أن كثيراً من الأمور أوضحت انه على العكس، فقد تم استغلال الأزمة استغلالاً سياسياً وتجارياً على عكس المأمول، بل وعلى عكس المفترض!
ولا توجد فوارق جوهرية بين تجار الحروب الذين يقتاتون على الأزمات مثل التجار الذين حجبوا السلع وباعوها بأضعاف أثمانها، وبين ساسة قاموا بحجب أخطائهم ومساوئهم وحاولوا تصديرها وإحالتها على الاخرين.
وأبرز تجليات الاستغلال السياسي لكورونا هو تحجج الحكام الفاشلين والحكومات الفاسدة بسوء الاوضاع التي خلفتها الأزمة وكأنها السبب الرئيسي وليس العرض الكاشف لمرض عضوي في سياساتهم وتوجهاتهم.
الا أن ابرز هذه التجليات هو محاولة شيطنة الصين وتحميلها مسؤولية الانتشار العالمي للمرض وتحوله الى جائحة.
وهذه المحاولات قادتها أمريكا عبر تسمية الفيروس بـ"الفيروس الصيني"، واتهاماتها المتكررة للصين بالغموض واخفاء المعلومات، واتهامها لمنظمة الصحة بأنها منحازة للصين ومشاركة لها في مسؤولية تفشي الوباء عالميا.
وقبل رصد أهداف هذه الشيطنة، من الواجب تناول عدة نظريات وتقارير، وضعت في خانة المؤامرة، رغم وجاهة ما جاء بها، اضافة الى تأييد شخصيات علمية متخصصة لكثير مما ورد بها.
وهذه النظريات تعلقت بوجود مؤامرة تقف خلف الفيروس وانه من الممكن أن يكون مصَنعاً ومهندَساً في مختبرات علمية، وانه اما أطلق عمداً أو تسرب وفلت من السيطرة.
وقد تناولت الدول نفسها وعبر تصريحات لمسؤولين كبار، هذا الطرح، حيث أشار تشاو ليجيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية الى أن الفيروس ظهر اولاً في الولايات المتحدة، وتحدثت تقارير كثيرة عن أن مختبر الجراثيم العسكري الأمريكي في فورت ديتريك، بولاية ماريلاند، ربما كان المصدر الأصلي للفيروس.
وعلى الجانب المقابل اتهم الامريكيون الصين باحتمال أن يكون فيروس كورونا "هرب بالصدفة من مختبر في ووهان"، وقد أثار عضوا مجلس الشيوخ الجمهوريان توم كوتون وتيد كروز نفس الاحتمال.
وبعيدا عن الاتهامات والنظريات، طالما لا توجد دلائل موثقة حتى الان، فإن الثابت هو القاء الاتهامات على الصين بهدف شيطنتها وهو ما لاقى رواجا نسبيا في بعض الأوساط وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يشكل مؤشراً حول كونه حالة موجودة في أوساط شعبية.
وهنا يمكن رصد أهداف هذه الشيطنة كما يلي:
1- ضرب نموذج القوة الناعمة الصينية وتصوير أن المرض انتشر بفعل غموض الانظمة الشمولية وأن غياب الديمقراطية والشفافية هو المسؤول، وهو ما يخدم الطرح الليبرالي الامريكي الذي تراجعت شعبيته كثيرا بعد ثبوت فشل امريكا والغرب امام أول اختبار من نوعه، ناهيك عن تراجع النموذج الليبرالي والذي شكل أزمة وعنواناً لأحد ملفات مؤتمر ميونخ للامن 2020، حيث كان موضوع مؤتمر الأمن في ميونيخ لهذا العام هو "عدم الاهتمام بالغرب"، وشرحه موقع المؤتمر نصًا: (يمكن ترجمته باللغة الألمانية باسم "West-Losigkeit". وهو إنشاء لكلمة جديدة من المفترض أن تصف الظاهرة المزدوجة المتمثلة في شعور واسع بأن الغرب والعالم أجمع يتطورون في اتجاه أقل اهتماماً بالغرب، والمقصود هو فقدان القيم عبر الأطلسية ومجتمع الأمن).
2- سلب الصين المميزات والثقة التي حظيت بها مؤخرا والمتمثلة في التبادل التجاري ودخول اسواقها الى قلب التأثير الحيوي للولايات المتحدة.
3- هدم فكرة العولمة بعد تحولها لسلاح مضاد، صنعته امريكا لبسط الهيمنة، فتحول الى سلاح في يد الصين.
هنا يمكن رصد مظهر جديد من مظاهر تسييس كورونا، هذا الفيروس الذي كان من المفترض أن يغير السياسات، وبدلا من ذلك قامت السياسات بتسييسه!