محمد أ. الحسيني
يرزح العالم تحت عبء جائحة الكورونا، وتجاوز هذا الفيروس كونه وباءً بل اصبح إعصاراً يجتاح الدول في كل أنحاء الكرة الأرضية، وسط هلع كوني واضطراب أنظمة كانت حتى الأمس القريب تتبجّح بتقدمها العلمي وتطورّها الحضاري، ولكنها اليوم تواجه خطر انهيار بنيانها واحتمال انفراط عقد اتحاداتها الهزيلة.
حتى الآن تجاوز عدد الإصابات مليون حالة إصابة مؤكدة بالفيروس بحسب إحصائيات وكالة الصحافة الفرنسية على مستوى العالم، وأكثر من خمسين ألف ضحية ثلاثة أرباعهم في أوروبا، وتتفاقم أعدادهم بسرعة هائلة في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن الخطر ليس بالأرقام البشرية بقدر ما هو متعلّق بالأزمة الناشئة عن هذا الفايروس، الذي داهم الأسواق المالية والتجارية العالمية، وأوقف حركة المصانع وأخلى الطرقات والتحركات الآلية والبشرية، وأدّى إلى إقفال المنافذ البرية والجوية والبحرية بين القارات وإغلاق الحدود بين دولها.
وحده لبنان استطاع منذ أن تم الإعلان عن اكتشاف حالات الإصابة فيه أواخر شباط الفائت، أن ينجح في لجم انتشار الفيروس على مستوى واسع، بفضل الإجراءات السريعة والحازمة التي قامت بها وزارة الصحة وتضافر الجهود من باقي الوزارات والمؤسسات المختصة، إلا أنه وبعد مضي أسبوعين من إعلان التعبئة العامة وتدابير الاحتواء، لا يزال الوضع في لبنان محفوفاً بالمخاطر وفق تعبير وزير الصحة الدكتور حمد حسن، وهو قد يتعرّض لنسبة أعلى من الخطر مع بدء عودة المغتربين اللبنانين من الخارج، ما يفرض تحدّياً جديداً واستنفاراً إضافياً من قبل الجميع، ولا سيما لجهة التزام المواطنين بالإجراءات المطلوبة، وعدم التراخي حيال هذه المخاطر، دون أن نغفل المسؤولية الوطنية في ابتعاد المؤسسات المالية والتجّار على مختلف مستوياتهم عن الجشع وعدم استغلال الأزمة الراهنة تلافياً للإمعان في تعميق جرح الوطن.
تبقى الإشارة الأهم في ما أفرزه هذا الفيروس في لبنان بعيداً عن الشأن الصحي، هي حالة التضامن على مختلف المستويات سعياً للإحاطة بتأثيرات هذا الوباء على المستويات الاجتماعية والإنسانية، فضلاً عن بروز مبادرات شعبية وحزبية تساهم كتفاً إلى كتف مع الدولة اللبنانية في محاربة هذا الوباء، ويسجّل في هذا الإطار قيام حزب الله باستنفار مؤسساته وعناصره ومتطوّعيه في المجالات كافة، ووضع أجهزته التنظيمية في المناطق كافة في خدمة المواطنين، فلا يعود الكورونا عنصر تهديد بل فرصة ليكون لبنان الصغير نموذجاً للوطنية والوعي والمسؤولية العامة بشهادة المنظمات العالمية.