(إيهاب شوقي/ صحافي مصري)
في تحقيق لمجلة فورين بوليسي الأمريكية، بعنوان "كيف ستبدو الحياة في مدننا بعد جائحة الفيروس التاجي"، استشارت المجلة 12 خبيرًا عالميًا رائدًا في التخطيط الحضري والسياسات والتاريخ والصحة، وذلك على غرار تحقيق اعدته عن مصير الاقتصاد بعد جائحة كورونا.
ولم يلق هذا التحقيق شهرة التحقيق الاقتصادي رغم اهميته الكبرى، ورغم علاقته الاهم بالاقتصاد بشكل ربما اقل مباشرة، الا انه اكثر عمقا!
ونستطيع من خلال رصد ما جاء بالتحقيق من أراء لاساتذة كبار ومتخصصين، استنتاج بعض المشاكل الرئيسية التي تشكل خطرا على البشرية، وكذلك بعض الحلول والتي ستفاجئنا بأن التوسع في المجالين الزراعي والصناعي بعيدا عن المدن المركزية، يمكن ان يقلل من الازدحام المؤثر على الصحة وعلى الاقتصاد في ذات الوقت.
ومما جاء بالتحقيق، ما قاله ريتشارد فلوريدا، الأستاذ في كلية روتمان للإدارة بجامعة تورنتو، من ان المدن العظيمة ستبقى على قيد الحياة ضد الفيروس التاجي، حيث يرى ان المدن (كانت بؤرة الأمراض المعدية منذ عهد جلجامش ، وقد ارتدت دائمًا - غالبًا ما كانت أقوى من ذي قبل. لقد أهلك الموت الأسود المدن في أوروبا خلال العصور الوسطى ، وفي آسيا على طول الطريق حتى بداية القرن العشرين. قتلت الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 ما يصل إلى 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم ، ومع ذلك ازدهرت نيويورك ولندن وباريس في أعقابها. في الواقع ، يظهر التاريخ أن الناس غالبًا ما انتقلوا إلى المدن بعد الأوبئة بسبب فرص العمل الأفضل والأجور الأعلى التي عرضوها بعد الانخفاض المفاجئ في عدد السكان).
هذا الراي العلمي يرصد ان المدن رغم ما تسببه من بؤر للامراض لا غنى عنها بسبب تركز الاقتصاد بها وهو ما يعني انها ستصبح بؤرة متجددة ودورية للمرض والوباء.
وبالطبع لم ينادِ الدكتور بالخروج عن هذه المركزية الراسمالية، ربما لانتمائه لمدرسة اقتصادية رأسمالية لا تخرج بافكار من نوع الكوميونات او التعاونيات.
الا اننا في حل من هذا التقيد الراسمالي، ونرى ان بروز تعاونيات زراعية وصناعية يخلق امتدادات جغرافية تمنع من تركز رأس المال في طبقة او مدينة، بكل ما يشتمل عليه هذا التركز من اضرار سواء اجتماعية وانسانية واخلاقية وكذلك صحية وبيئية.
وفي نفس التحقيق، تقول الدكتورة ريبيكا كاتز، الأستاذة في المركز الطبي بجامعة جورجتاون نصا (بعد أن أنشأ الكثير منا روتينات جديدة تعمل عن بُعد عبر مؤتمرات Zoom بعدد لا حصر لها، قد نبدأ في رؤية نزوح من المدينة إلى بيئات ريفية أكثر. في حين أنه من المستحيل التنبؤ بما سيكون عليه الوضع الطبيعي الجديد، إلا أنه قد يكون عكسياً التحضر).
وتقول جانيت صادق خان، مديرة في مدينة نيويورك، ان الوباء يكشف عن مدى اعتماد المدن على العمال الأساسيين، ومدى اعتماد العمال الأساسيين على القطارات والحافلات العامة للوصول إلى الوظائف في المستشفيات ومحلات البقالة وغيرها من الروابط في سلسلة التوريد. تعتمد قدرتنا على تحمل هذا الوباء على بروتوكولات سلامة جديدة للحفاظ على سلامة الركاب وعمال النقل العام، وعلى الاستثمار في توسعات الخدمة الشاملة لتسهيل إدارة الأزمة التالية. هذا التحدي الذي نواجهه ليس ما إذا كانت المدن ستبقى كما نعرفها. والسؤال هو ما إذا كان لدينا خيال ورؤية لتحويل الشوارع وإيجاد مدن أكثر أمانا وأكثر سهولة ومرونة نحتاجها طوال الوقت..
وهنا نتفق مع توصيف الدكتورة جانيت، وريما نضيف لاطروحتها في الحل، ان التفكير يجب ان يكون بالتوسع لمجتمعات جديدة زراعية وصناعية تمنع التكدس وتخفف الضغط عن المدن الرئيسية، لا الازدحام عرض لمرض تركز رؤوس الاموال والخدمات، ولن يتم العلاج الا بالقضاء على المرض.
ربما ما اعلنه السيد حسن نصر الله عن تدشين لجهاد صناعي وزراعي، هو حل اقتصادي مقاوم يكفل استقلالية القرار ومقاومة الجوع والمذلة، ونود ان نضيف اليه ايضا انه حل بيئي وصحي ويمكنه توفير فرص عمل بعيدا عن مؤسسات الراسمالية التي تكدس الخدمات والاستهلاك في مدن اصبحت بؤرا للعدوى والامراض، ناهيك عن نمطها غير الصحي حتى دون انتشار للاوبئة.