احمد ياسين - خاص كورونا نيوز
متى يعود كل شيء إلى سابق ما كان عليه؟ سؤال يدور في أذهان الكثير من المراقبين حول العالم، بعد انتشار وباء كورونا، الذي بدأ في أقاصي الشرق وضرب العالم بأسره.
انقلب كل شيء في هذا العالم رأساً على عقب، وتغيَّر عالمنا بشكل أسرع مما كنّا نتخيل، في ظرف أسابيع وأشهر، تبدّل شكل الحياة وصار لها وجه غير ذلك الذي عرفناه ومارسناه على مدى عقود طويلة من الزمن.
رغم الحجر الذي بات الآن مفروضاً على مئات الملايين حول العالم، وربما حتى بعد انتهاء الوباء، لن تعود الحياة لسابق عهدها أبداً، هذا ما يؤكده العلماء.
لم نعد نتحدث فقط عن عادات وسلوكيات شخصية واجتماعية، بل نتحدث عن تغيُّر في موازين القوى الدولية، واختلاف جذري في هيمنة العولمة الاقتصادية، تغيُّرات ستطال الجميع، عن مفهوم جديد للعلاقات بين الدول والانظمة وكذلك بين الشعوب.
لقد ترك فايرس كوفيد-19 آثاره في جسد المنظومة الدولية واظهرت هشاشتها في أماكن عدة. كما كشف زيف جزء كبير من منظومة المصالح والعلاقات الدولية القائمة على الدعاية الإعلامية. فبدت هذه العلاقات في ظل كورونا أكثر وضوحاً، لا بل ظهرت في كثير من الاماكن على حقيقتها.
ولو سلطنا الضوء على الانظمة الغربية، ففي ظل "كورونا" بدا كل نظام متقوقعاً على نفسه وصار جل اهتمام هذه الدول متركزاً على انقاذ نفسها من براثن الوباء وتداعياته، هكذا كشف الوباء هشاشة العلاقات التي كانت تربط هذه الدول، حيث تُركت كل دولة لتواجه مصيرها بنفسها، ضاربين عرض الحائط بالكثير مما كان سائداً بين هذه الدول من علاقات وتبادل على شتى الصعد.
فضلاً عن التغيير الجذري في حياتنا كبشر وتبدل الانماط التي تعودنا عليها لسنين طويلة، من المؤكد ان علاقات الدول فيما بينها تغيرت وسيطرأ عليها تعديل جذري سيتضح مع مرور الوقت.
مشهد انزال علم الاتحاد الاوروبي في إيطاليا المنكوبة بفعل الوباء، ورفع على الصين مكانه لن يذهب من اذهان الايطاليين وغيرهم من الاوروبيين الذين تركوا لمواجهة الموت، دون مساعدة من حليفتهم الاولى الولايات المتحدة. كما ان تقبيل الرئيس الصربي للعلم الصيني بعد ان حطت طائرات صينية محملة بالمساعدات في شهر نيسان الماضي في بلغراد حدث لافت وربما غير مسبوق. وان دلّ على شيء فهو يظهر الحاجة الكبرى لاقتصاد قوي يقف الى جانب الدول ومساعدتها، حيث كانت جائحة كورورنا سبباً لتظهير ذلك.
الصين سعت لتغيير هذه التصورات من خلال ما يسمى "دبلوماسية الاقنعة"، وهي مزيج بين سياسة القوة الناعمة ورسائل السياسة والمساعدات التي تظهر بكين كحليف كريم وفعّال في الأوقات الحرجة.
لا اختلاف أن جائحة كورونا بكل مخاطرها، جاءت لتسرّع أكثر حدوث تغييرات في المشهد العالمي، وأولها اقترابنا من نهاية عصر الآحادية العالمية، فالأمر بات واضحاً من خلال بداية تآكل القدرة الأميركية على الظهور في موقع المنقذ الأوحد للبشرية. فقد غرقت الولايات المتحدة بالنسبة الأكبر من الاصابات والوفيات حول العالم، وبدت عاجزة عن مساعدة الدول المتضررة والمحسوبة على الفلك الاميركي. في المقابل جاء تعافي الصين السريع نسبياً من تداعيات الجائحة ومدّها يعد العون لعدد كبير من الدول لا سيما الاوروبية منها، وهو ما ترك أثراً لن يكون عادياً لدى شعوب وأنظمة هذه الدول.
الظروف السياسية والاقتصادية أيضاً زادت من تأثير الجائحة على المشهد الدولي لناحية الهيمنة والنفوذ في العالم. ولعل تزامن كورونا مع عدد من الظروف والمناخات الدولية والإقليمية عزز من إحداث التحولات والتبدلات في المزاج العام وسياسات الدول وعلاقاتها فيما بينها.
ان ما نشهده اليوم من احتدام الصراع بين واشنطن والصين، في شكل من اشكال الحرب الباردة، واخر مشاهدها الاقفال المتبادل للقنصليات بين البلدين واستعار حرب العقوبات والعقوبات المضادة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، يوصلنا الى ما مفاده ان الصراع أخذ بالتنامي، وحاجة الاقتصاد العالمي للصين والولايات المتحدة في آن معاً سيجعل حكماً بكين عاملاً مقرراً وفاعلاً عالمياً في المستقبل القريب.
كل ذلك يقودنا الى السؤال الذي بات مطروحاً وبقوة اليوم، هل تشهد المرحلة المقبلة بداية انحسار الهيمنة الاميركية والأحادية القطبية؟