(إيهاب شوقي/ صحافي مصري)
من ضمن ما كشفه فيروس كورونا المستجد، وجود معايير جديدة لقياس الثقة السياسية بالحكومات، حيث كانت المعايير في اغلبها تنحصر في الاقتصاد وفي السياسة الخارجية لدى البلدان الخاضعة لصراعات لها ابعاد تاريخية او ايدلوجية.
فكانت الثقة السياسية في الحكومات تنبع من مدى الالتزام بالرفاهية الاجتماعية ومستويات المعيشة وتوفر الخدمات، وكذلك في الالتزام بالثوابت الوطنية وقيم الكرامة والعزة وامتلاك القوة والردع والاستقلال الوطني.
بينما استحق انتشار وتفشي وباء كورونا معايير جديدة، ربما اغلبها مرتبط وعلى تماس بالخدمات في جانبها الصحي وبالاقتصاد، ولكن اغليها متعلق بالمصداقية والكفاءة.
ففي دول تتمتع باقتصاد قوي، اهتزت الثقة السياسية بسبب التلكؤ او فشل المواجهة او عدم الاستعداد للطوارئ، كما ترتب على ذلك افتقاد الثقة في المصداقية مما نتج عنه تشكيك في اعداد الاصابات وبروز نظريات للمؤامرة وكل ما نشهده على هامش هذه الجائحة من مظاهر كثيرة.
وقد تقلصت ثقة المواطنين في بلدان عدة في حكوماتهم فيما يخص طريقة تعاملها مع تفشي الوباء، وفق دراسة دولية نشرتها شركة "كيكست - سي ان سي" بتاريخ السبت (25 يوليو/ تموز 2020).
وأوضحت الدراسة أنه وفي المملكة المتحدة، عبّر 35% فقط ممن شملهم الاستطلاع عن تأييدهم لعمل الحكومة، أي بتراجع 3 نقاط عن حزيران/يونيو. كما انخفضت نسبة تأييد السلطات العامة في الولايات المتحدة مع 44% أعربوا عن عدم رضاهم (مقابل 40 بالمئة في منتصف حزيران/يونيو)، وفي اليابان يعتقد أكثر من 51% أن السلطات تدير الأزمة بشكل سيئ.
وفي كثير من بلداننا العربية، نرى ملامح عدم الثقة في التشكيك بالارقام الرسمية، حيث يتشكك البعض ان السلطات لا تعلن الاعداد الحقيقية هربا من تحمل الاعباء التي تقتضيها الاعداد الحقيقية، وهناك قناعة سائدة بان اجراءات الكشف والتحاليل المتواضعة لعدم توفر الامكانات، تحجب اعدادا اكبر بفضل هذا الغياب للاجهزة ووسائل التحليل.
وقد أشارت الأمم المتحدة في مؤتمرها حول "بناء الثقة في الحكومة" في فيينا عام 2006 إلى أن الثقة السياسية تشير إلى وجود توافق في الآراء فيما بين أفراد المجتمع حول القيم والأولويات والاختلافات المشتركة، وعلى القبول الضمني للمجتمع الذي يعيشون فيه، كما تشير أيضا إلى توقعات المواطنين لنمط الحكومة التي ينبغي أن تكون عليه، وكيف ينبغي للحكومة أن تعمل وتتفاعل مع المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، ومع مجموع المواطنين وسلوك الموظفين المدنيين.
وافاد المؤتمر ان الثقة السياسية تتولد من خلال شبكة العلاقات التفاعلية مع الأفراد والمجتمع المحلي، ويترتب عليها ارتفاع مستوى المشاركة المدنية والسياسية، وبالتالي تهيئة الظروف اللازمة لتحقيق التكامل الاجتماعي والاستقرار الديمقراطي.
وفي المقابل يتم تعريف عدم الثقة السياسية علي أنها التقييم السلبي للسياسات العامة من قبل المواطنين الذين يرون تناقضاً بين المأمول والواقع، حيث يثق المواطنون في الحكومة عندما يشعرون بأنها تعالج القضايا بكفاءة، ويفقدون الثقة فيها عندما يشعرون بأنها مسؤولة عن الاتجاهات غير المرغوب فيها، وأن حالة نقص الثقة السياسية النفسية أو العقلانية تؤدي إلى انعدام الثقة في المؤسسات السياسية المختلفة، وفي نهاية المطاف تتحول إلى انعدام الثقة في النظام السياسي ككل.
هذا المناخ من غياب الثقة السياسية له انعكاسات خطيرة، حيث تشير بعض الأدبيات إلي الثقة السياسية على أنها اعتقاد المواطنين بأن الحكومة أو النظام السياسي يعمل بأسلوب متسق مع توقعاتهم، وان المواطنين الذين يثقون في الحكومة أكثر عرضة للامتثال للقوانين والاستجابة للمبادرات الحكومية، اي باختصار يولد غياب الثقة حالة من اللامبالاة والسلبية وقد تتطور للتمرد والعصيان.