أحمد فؤاد (كاتب صحافي – مصر)
إلى حديث المؤامرة الصينية، وانزلاقًا سريعًا نحو مقارنات بائسة، انطلقت الأبواق الإعلامية العربية لتسويغ وتقبل الموت الآتي، لتقنع شعوبها بالابتسام في وجه النهاية المحتمة، لمباركة العجز والفشل والخيبات العديدة اللامتناهية.
كسبب لتوقف الحياة، وليس كدافع للمقاومة، أو مفاجأة تستتبعها رؤية جديدة للمواجهة، بدت المنطقة العربية -حتى الآن- المرشحة الأولى لكارثة انتشار وباء كورونا المستجد، من دول سجلت غيابها وقت الشدة، ونظم حكم انعزلت في قصورها بعيدًا عن الجائحة، خوفًا وهلعًا من سوء المصير، وبين شعوب لم تجد قائدًا في هذه النازلة سوى الجنون الجماعي وهيستيريا الجهل والدجل، في مسيرة تليق بأشد روايات كافكا سوداوية وألمًا.
في مصر، التي تمثل سكانيًا نحو ربع العالم العربي، ومكانيًا تحتل القلب والعقدة الواصلة بين شرق وغرب المنطقة، سقطت الأنظمة الحاكمة منذ العام 1974، في اختبار الإرادة أمام العدو الرئيس وخادمه الصهيوني وظهيره الإعرابي آل سعودي، وبعد 40 عامًا من وهم السلام مع الصهاينة، تبدو البلد -كلها- ضحية تنتظر بلا حراك الذبح الآتي، ممدة في عجز ويأس وفشل مستمر.
أضعف الحلقات العربية سقطت، حتى بدون طلقة واحدة، أمام اختبار "كورونا"، كما فعلتها الدولة أمام التهديد الإثيوبي المهين بالتعطيش، ولا يبدو في طريق دولة كامب دافيد سوى السقوط والسقوط ثم السقوط، هذا غاية ما سيصله أي شخص جالس على كرسي الحكم، "الدرس انتهى.. لموا الكراريس" كما خطها يومًا صلاح جاهين على أوراق مجزرة بحر البقر، فكل يوم سنرى بحر بقر جديدة بعد.
الوباء القادم لم يأت إلى مصر فجأة، بل جاء بعد إنذارات متكررة، وتجارب عديدة شرقًا وغربًا، لتغرق البلد في صحراء التيه، وينهار النظام الصحي، حتى قبل أن تبدأ المواجهة.
في بداية شهر آذار/مارس الماضي، كانت الصين وكوريا الجنوبية يخوضان المعركة مع فيروس كورونا، إغلاق كامل، وتجييش كل الجهود لمكافحة انتشار فيروس رهيب، وفي المقابل كانت خطوات أوروبا بطيئة، مستهترة، لم يكن الحال في إيطاليا قد خرج عن السيطرة بعد، وكان أمام النظام المصري فرصة كافية، ومطولة للنظر واستباق الحوادث، لكنها لا تعمى الأبصار لكن تعمى القلوب التي في الصدور، ظلت الحركة السياحية الوافدة هي الأهم لدى حكومة قدست الدولار، وانعزلت في مكاتبها ومبانيها السكنية المحصنة، تظن أن لن يقدر عليها أحد.
وبعد تصريحات تكذبها الوقائع وتصفعها الشواهد والنتائج، اعترفت الحكومة المصرية أخيرًا بوصول الضيف الموعود، دخل الفيروس عبر السياح والتجمعات والعائدين من الخارج بلا كشف ولا عزل، وقعت الواقعة، وبات على موظفين بائسين بعقول بائسة ونظام كله على بعضه بؤس، أن يتعاملوا مع تهديد أذلّ أوروبا وكشف زيفها وضعفها.
وإلى الأرقام، -كلها حكومية- وبلا أدنى تحليل أو حساب، سنرى أن الإمكانيات والتخطيط والقدرة على إدارة لحظة الأزمة سقطوا قبل الاختبار حتى. المستشفيات الجامعية في مصر، وهي مؤسسات صحية ضخمة تتبع كليات الطب والجامعات، وتصل نسبتها من 35 إلى 40 بالمئة من قدرات جهاز الصحة الحكومي، طبقًا للوارد على صفحة مجلس الوزراء المصري بموقع "فيس بوك" والمنشور في أغلب الصحف والمواقع الخاضعة لسيطرة النظام، سنجد أن كل أسرة الرعاية المركزة الموجودة هي: 3 آلاف و959 سريرًا، بالطبع لا يمكن تخصيصها كلها لمواجهة فيروس كورونا حال تفشيه، وأجهزة التنفس الاصطناعي تبلغ 3 آلاف و754 جهازًا فقط. بينما تصل أسرة الرعاية المركز للأطفال إلى 431 فقط!.
هكذا كانت الحكومة المصرية تستبق أزمة كورونا خلال الشهور الماضية، وهذه هي كل الإمكانات المتاحة في حال انتشار واسع للمرض. كل الأرقام السابقة في كفة، وأمامها حقيقة أن أغلب المصريين لا يعملون في جهاز الدولة، أو تابعين لقطاع خاص منظم، الأغلبية الساحقة يأتيها رزقها يومًا بيوم، لا بد من الخروج والسعي إلى العمل، من المقاولات إلى التجارة الصغيرة -جدًا- ثم أعمال بلا عقود أو تنظيم، يرزح المصري تحت نير الحاجة من جهة، وأمامه تهديد وبائي يعلم إنه في حال الإصابة به يعني الموت المحتم، وبالتالي فإن رفاهية المكوث في البيوت لا تعد ذات صلة بالواقع اليومي للأغلبية، مجرد كلمات لن تشبع طفلًا ولن تشتري حاجيات المنزل اليومية، والدولة كما تركت مواطنيها نهبًا لقطاع خاص لصوصي، نقلت الأزمة إلى خانة التبرعات والصدقات، كأن لا وجود لها، بالفعل لا وجود لدولة الآن، إلا في سياق تعميق الأزمة وزيادة الخسائر مع كل قرار عشوائي يخرج تلبية لمطالب شركات المقاولات.
أصيبت البلد، صاحبة أول معاهدة استسلام عربي- صهيوني بالوباء، حين قررت المضي بحماس وسرعة شديدين في طريقها، سلمت للصهاينة شرقًا، وسلمت لواشنطن كامل ملفاتها الخارجية، حتى شهد المكتب البيضاوي عقد المفاوضات بين النظام وإثيوبيا، وسلمت داخلها لطبقة من رأسمالية طفيلية، تمتص من البلد لحمها وعظمها ودمائها، لتنزح أرباحها إلى الخارج، تاركة ورائها الفقر والخراب.