(إيهاب شوقي/ صحافي مصري)
كالعادة تدخّلت السّياسة في أرواح البشر وصحّتهم وأمالهم في الحياة بطمأنينة، بعد شهور عصيبة من تفشّي وباء كورونا، والذي كان جوهر الذّعر منه متمثّلا في عدم وجود ضوء في نهاية النفق، بافتقاد السقف الزمني لتوفر العلاج او اللقاح.
شكّلت أنباء اقتراب توفّر علاجات او لقاحات امال كبرى للشعوب، لم تهدرها إلّا التشكيكات العلميّة والنّفي الدائم من مراكز الأبحاث ومنظّمات الصّحة العالميّة,
ولعلّ هذه الحالة من عدم الثّقة قد أسهمت في حالة اللامبالاة الشعبية والإهمال الذي أدى إلى تزايد الأعداد.
ومؤخّراً، شكّل اللقاح الروسي “سبوتنيك-V” أملاً كبيراً لدى الشّعوب لسببين رئيسيين، أوّلهما يتعلّق باللقاح وتوفّره، والثاني لكونه روسي، وهو ما يعني ابتعادهُ عن الإستغلال الأمريكي والغربي عموماً، لِما للرّوس من سمعة طيّبة وثقة لدى العديد من الشّعوب وخاصّةً في منطقتنا العربية والإسلامية.
وبحسب المعلومات الواردة من سجلّات الدولة الروسية للأدوية، سيكون اللقاح بالحقن العضلي باستخدام ناقلين على دفعتين: الأولى – مع النّاقل الأول، وبعد ثلاثة أسابيع – مع النّاقل الثاني، حيث يسمح نظام الحقن المزدوج بتكوين مناعة طويلة الأمد لمدة تصل إلى عامين، وفقاً لوزارة الصّحة الروسيّة
ومن المتوقّع أن يبدأ الإنتاج الضخم للقاح في أيلول 2020، وبحلول نهاية عام 2020، من المقرر أن يصل إنتاج اللقاح إلى 200 مليون جرعة، وتحقيقاً لهذه الغاية، يموِّل صندوق الإستثمار المباشر إطلاق إنتاج اللقاح على أساس قدرة الإنتاج.
وتناقلت وكالات الأنباء الجدل الذي أثاره الإعلان الروسي. ومنه قول وزير الصّحة الألماني ينس سبان إنّ اللقاح الروسي لمرض كوفيد-19 لم يُختبر على نحوٍ كافٍ، مضيفاً أنّ الهدف هو ابتكار منتج آمن وليس أن يكون بلد ما الأول في توفير لقاح للنّاس فحسب.
ولعلّ تصريحات الوزير الألماني تكشف طريقة التفكير الهادفة إلى المنافسة والأسبقية بصرف النّظر عن الهمّة لإنقاذ البشرية من هذا الوباء، حيث فاحت رائحة السياسة والغيرة من هذه التصريحات، ويمكن للمتأمِّل لها استنتاج ذلك بيسرٍ وسهولةٍ.
ويبدو انّ هذا الشّعور قد التقطهُ الرّوس، وانعكس على تصريحاتهم، فقد دافعت موسكو عن اللقاح، وقال وزير الصحة ميخائيل موراشكو غَداة إعلان الرئيس فلاديمير بوتين موافقة روسيا على اللقاح "يبدو أنّ زملاءنا الأجانب يستشعرون المزايا التنافسية المحددة للعقار الروسي ويحاولون التعبير عن آراء نرى أنها لا أساس لها من الصحة".
أمّا أمريكا فقد شكّكت في اللقاح دون تواصل مع الروس ودون أدلّة، وكانت تصريحاتها أكثر غلظة وفجاجة، وبحسب تقرير نشرته شبكة سى بى إس الأمريكية، أعرب أكبر مسؤولان بشأن القضايا الصحية فى الولايات المتحدة عن شكوكهما بشأن إعلان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أنّ بلاده كانت أوّل من طوّر لقاحاً آمناً وفعالاً لفيروس كورونا، مشكّكين فى معايير السّلامة وراء اللقاح الروسي.
ونقلت وكالات الأنباء عن الدكتور أنتوني فاوتشى، مدير المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، قوله إنّه يأمل أن تكون موسكو "قد أثبتت بالفعل بشكل قاطع أنّ اللقاح آمن وفعّال.. أشكّ بشدّة فى أنّهم فعلوا ذلك".
وأضاف فاوتشي: "الولايات المتحدة تعمل على ستة لقاحات أو أكثر لذلك إذا أردت اغتنام الفرصة لإيذاء الكثير من الأشخاص أو منحهم شيئاً لا يعمل يمكننا البَدء في القيام بذلك ولكن هذه ليست الطريقة التى يعمل بها".
كما قال وزير الصحة الأمريكي أليكس عازار إنّ الدّفع لتطوير لقاح لفيروس كوفيد -19 "ليس سباقاً ليكون الأوّل".، ولنلاحظ تطابق التصريح الأمريكي مع التصريح الأمريكي!!!
والمنطق يقول إنّ روسيا ليست دولة صغيرة أو كم الدول التي يمكن أن تجازف بسمعتها وثقة العالم بها، وخاصة في ظرف دولي يشهد استقطاباً وعودة لأجواء الحرب الباردة.
ولا تستطيع روسيا بسياستها الرصينة إيقاع نفسها في فخ أو فضيحة دولية لمجرّد نيل السبق رغم أهميته المعنوية والسياسيّة.
ناهيك عن التقدّم الطبّي والتكنولوجي الروسي.
الأهم من ذلك أنّ منظّمة الصحّة العالمية بدأت في الإقرار باللقاح بعد أن كانت تشكّك على خلفية عدم كفاية التجارب ومرورها بالمراحل البروتوكولية المتّفق عليها، ولكنّها وبعد التواصل مع روسيا، أقرّت باستيفاء التجارب.
وذكرت مديرة إدارة البرامج الصحيّة في المنظمة العالميّة، رنا الحجة، خلال مؤتمر صحفي عقده المكتب الإقليمي للمنظّمة في شرق المتوسط، يوم 19 آب\اغسطس 2020، أنّه يتم التواصل مع الجانب الروسي للتّعرف على تطورات لقاح علاج فيروس كورونا، وأشارت إلى أنّ اللقاح الروسي “سبوتنيك-V” مرّ بالمرحلتين الأولى والثانية من التجارب السريرية، ودخل المرحلة الثالثة منذ أيام.
هذا بالتأكيد خبر سار للبشرية واكثر سروراً لروسيا، وخبر سيئ جداً لشركات الأدوية الغربية الكبرى التي إمّا تلكّأت في إنتاج اللقاح لأسباب تتعلّق بزيادة الأرباح بعد ازدياد الأعداد، وفقاً لاتهامات كثير من المراقبين لها بذلك، وإمّا لم تستطع أن تسيق الروس الذين أخذوا القضية بجديّة بالغة.
كشف الجدل حول اللقاح، أنّ العالم يدار بكثير من السياسة وقليل من العلم والضمير.