(إيهاب شوقي/ صحافي مصري)
كالعادة سيعاني الفقراء والمستضعفون من الصراعات والسباقات التجارية، ومن الإحتكارات، ولكنّهم هذه المرّة معرّضون لهذه المعاناة في مجال الوقاية الصحية ولقاحات كورونا المنتظرة.
لا يكفي أنّهم أكثر من عانوا من تَداعيات الوباء الصحية والإقتصادية، لتكتمل دائرة المعاناة لتشمل الفرصة في الحصول على اللقاح.
وكما أنّ الفقراء والمستضعفين هم شرائح من البشر، فعلى مستوى الدول فإنّ المستضعفين هم شريحة من الدول يطلق عليها (الدول النامية).
مؤخراً، وحسبما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلاً عن خبراء صحيين، فإنّ الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي واليابان وبريطانيا عقدت اتفاقات مع الشركات الغربية للمستحضرات الصيدلية لشراء نحو 3,7 مليار جرعة من لقاحات كورونا.
وأضاف التقرير، أنّ الصين والهند، اللتان تملكان موارد كبيرة لإنتاج اللقاحات، توقّع الخبراء أنهما ستوجّهان كل الجرعات لسد احتياجات سكانهما.
وهو الأمر الذي يعرّض عدداً كبيراً من البلدان النامية لخطر عدم الحصول على القدر الكافي من اللقاحات في المرحلة الأولى، نظراً لعدم قدرة الشركات على تصنيع أكثر من 4 مليارات جرعة بحلول أواخر العام 2021.
أي أنّ الدول النامية وقعت بين أسنان الأنانية الغربية ومطرقة التضخم السكاني للشرق في الدّول المنتجة للّقاح.
وما يجعلنا نقول أنّها أنانية غربية، بل وجرم في حقّ البشرية، هو السلوك الغربي ولا سيما الأمريكي تجاه الأزمة وتجاه حلولها!
في وقت سابق، أعلن البيت الأبيض أنّ الولايات المتحدة لن تشارك في مبادرة "كوفاكس" العالمية لتطوير وتصنيع وتوزيع لقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد، وهي خطة تقتضي استثمار الأموال في تصنيع 12 لقاحاً مختلفاً، وتأمين الوصول العادل إليها عند ظهورها في الأسواق.
وكانت منظمة الصحّة العالمية أعلنت أنّ 172 دولة قد انضمّت إلى المبادرة حتى هذا الوقت، من بينها دول الإتحاد الأوروبي واليابان، غير أنْ عدد الجرعات التي بإمكان هذه الدول المتطورة أن تقدمها للبلدان النامية لا يزال مجهولا.
واشنطن تمارس هذا السلوك، على الرغم من تصدرها قائمة عدد المصابين بـ "كوفيد-19" في العالم، وترفض مساندة الجهود الدولية بشأن ابتكار لقاح مضاد للفيروس التاجي، لأنّ الأمر مرتبط بمنظمة الصحّة العالمية.
وقد أعلن المتحدّث الرسمي باسم البيت الأبيض، بأنّ الولايات المتحدة تعتبر منظمة الصحّة، منظمة فاسدة، وقد اعلنت الإنسحاب منها، وسوف يسري هذا القرار في شهر يوليو 2021.
هذا السلوك الأمريكي ينطوي على أنانية سياسيّة، ولكنّه يرقى إلى جريمة في حقّ الشّعب الأمريكي وشعوب العالم.
ولا نعلم إن كانت الدول الغنية قد وضعت في حساباتها أنّ الأمر لا بدّ وأن يُعالج بشكل جماعي وإلّا انتفت فائدته أم لا؟
وربّما لامست روسيا هذا المفهوم، عندما أعلنت السلطات الروسية مراراً أنّ التحصين من فيروس كورونا يجب أن يجري في مختلف أنحاء العالم بصورة متزامنة.
عدد المصابين بـ "كوفيد-19" في العالم تجاوز 25.5 مليون شخصاً، منهم أكثر من ستة ملايين في الولايات المتحدة الأمريكية.
وإن تمّ توزيع اللقاحات على الدول الغنية فقط، فهذا يعني أن تنغلق هذه الدول على نفسها وألّا تتعامل مع الدول النامية التي لم تحصل على اللقاح، حيث تُعتبر بؤرة وباء و(كرنتينا) كبرى، فهل يستطيع الغرب اعتماد النجاة الفردية وهل يستطيع الإنعزال عن أسواق الدول النامية ومنع السفر وهجرة الأيادي العاملة وكل التبادلات التجارية التي يقوم عليها إقتصاد الغرب؟
إنّ وباءً عالمياً كهذا تنبغي مواجهته بشكل جماعي ولا يكون الخلاص به فردياً، لأن منطق العدوى ينسف منطق الخلاص الفردي.
وبالتّالي فإنّ السلوك الأمريكي يشكّل حماقة، تضاف لحماقاته السياسية، وليس مجرد جريمة.
يبدو أنّ أمريكا فقدت كل مقومات القوّة النّاعمة، وأنْها في طريقها لعزلة كبرى لن تقتصر على قرارات السياسة، بل ربما تصل إلى المقاطعة الشاملة.