(إيهاب شوقي/ كاتب مصري)
لا زالت البلبلة والتناقضات هي سيّدة الموقف وعنوان الجائحة، حتّى يُمكننا أن نقول باطمئنان أنّ المتّفق عليه عالمياً في جائحة "كورونا" هو الضبابية واللا اتفاق.
والمُحزن في هذا الأمر، هو أنّ البلبلة ليس مصدرها الرئيسي هو صحافة صفراء أو إعلام غير منضبط أو مواقع التواصل، وإن كانت هذه المنابر مشاركة، وإنّما أيضاً تصريحات دولية على لسان رؤساء دول عظمى ومؤسسات أممية.
وتجاوزت البلبلة هنا السّقف الزمني للمواجهة عبر اللّقاحات والعلاجات، لتصل إلى طبيعة الفيروس وتطوّره ومدى خطورته، حتّى بِتْنا نسمع أراء علمية تقول أنّه بات أقل شراسة وأنّه يتّجه لأن يُصبح فيروساً معتاداً لا يُشكّل خطورة كبيرة، وأنّه بصدد إفساح المجال لفيروس آخر جديد أشدّ فتكاً وخطورةً!
هذا المناخ المقبض الذي يحيط بالشعوب من فقدان الثّقة، له انعكاسات خطيرة، فهو في المقام الأوّل، كفيل بإحباط الشعوب وإهدار طموحاتها وتفريغ طاقتها الإيجابية المنوط بها مواجهة التحديات والتوجّه للبناء والتنمية، كما أنّه كفيل بإعطاء وجاهة لكلّ نظريات المؤامرة بكلّ ما تشتمل عليه من حقائق وأكاذيب ودلائل وفبركات، أي أنّ المناخ ملائم لخلط السّم بالعسل.
وجولة بسيطة مع بعض التصريحات الحديثة يمكن أن توضح أكثر ما نودّ قوله:
- أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنّ تفشي جائحة كورونا بات يخرج عن نطاق السّيطرة، مضيفاً في مؤتمر صحفي، أنّ "جائحة كوفيد -19 أزمة لا تُشبه أي أزمات في حياتنا"، مشيراً إلى أنّ البشرية تقترب من تخطي عتبة المليون وفاة بسبب الفيروس، واصفاً الوباء بأنّه "تهديد رقم 1" للأمن العالمي.
- قال المدير العام لمنظّمة الصّحة العالميّة تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إنّ جائحة فيروس كورونا المستجد أظهرت أنّ العالم كان غير مستعد إطلاقاً لمواجهة أي وباء عالمي، مضيفاً خلال مؤتمر افتراضي: "كوفيد 19 أثبت أنّ العالم أجمع لم يكن مستعداً بصورة مؤسفة. ولكن إذا تحلّينا بالتواضع والتكاتف، يمكننا التخطيط لما هو قادم على المدى الطويل، والإستثمار في الصحة والجاهزية. هذا ليس عملاً خيرياً، إنّه استثمار في مستقبلنا جميعا"، وتابع: "لقد كشفت الجائحة إمكانية تعطل المنظومات الصحية في جميع البلدان، غنية كانت أم فقيرة".
- الدكتور ألكسندر مياسنيكوف، اشار إلى أنّ "كوفيد-19" ليس مخيفاً جداً كما يعتقد الكثيرون، وخطورته في الواقع محدودة للبشرية.
ووفقاً له، يتوقّع العلماء مستقبلاً ظهور عدوى أكثر خطورة من "كوفيد-19. ويقول، "نتحدث اليوم عن الوفيات بسبب "كوفيد-19" التي تعادل 1.4% ، ومع أنّ هذه النسبة شرطية وتعتمد على حساباتنا. ولكن إذا حسبنا الوفيات الحاصلة من العدد الفعلي للمصابين بالفيروس التاجي فستكون هذه النسبة 0.08%. أمّا في الجائحة التي ننتظرها فقد ترتفع هذه النسبة إلى 30%، وحينها لن يوقفها أي حجر صحي".
ويضيف الدكتور، بدا "كوفيد-19" يتلاشى، وتقلّصت عدواه. وسوف يساعد التلقيح على العودة إلى الحياة التي كانت قبل الجائحة. ومع أنّه لا يمكن القضاء على المرض نهائياً، إلّا أنّه لن يحدث مضاعفات ولن يموت الناس بسببه.
والملاحظ هنا، هو أنّ كلام الأمين العام للأمم المتّحدة، ومدير منظمة الصحة العالمية، يصبّان في خانة التخويف والنقد، ويصبّ كلام البروفيسور الروسي في خانة الطمأنة بخصوص الفيروس والتخويف من القادم.
وهو يعدّ اتفاقاً وبلبلةً، في ذات الوقت، فهو اتفاق على رداءة المنظومة الصحية العالمية وغياب الإستعداد للطوارئ وبطئ وفشل التعاطي مع المستجدات، ولكنّه بلبلة وتشويش بخصوص الوضع الراهن، فهل هو بات تحت السيطرة وأقل خطورة والمطروح علينا تفادي الأخطاء والتّمتّع بجهوزية لما هو قادم، أم أنّنا لم نخرج من الجائحة التي ترتفع بها الأعداد وتتّخذ شكل الموجات وعلينا التفرغ لمعالجة تداعياتها أولاً؟
إذا أراد أي منّا الوصول لحسم هذا الملف عبر أراء علمية رصينة، للأسف، لن نجد رأياً شافياً أو اتفاقاً علمياً أو حتّى شبه اتفاق!
المتّفق عليه هو الإحصاءات، وقد أظهر إحصاء جديد لوكالة "رويترز" أنّ أكثر من 30.26 مليون شخص أُصيبوا بفيروس كورونا المستجد على مستوى العالم، في حين وصل إجمالي عدد الوفيات جرّاء الإصابة به إلى 945 ألفا و533 حالة.
وتمّ تسجيل إصابات بالفيروس في أكثر من 210 دول ومناطق منذ اكتشاف أولى حالات الإصابة في الصين في ديسمبر 2019.
وبالطبع هذه الإحصاءات هي حصيلة ما تمّ الكشف عنه بإجراء التحاليل والفحوصات وأنّ الأرقام أكبر من ذلك.
وبالتالي ليس مطروحاً على الشعوب أمام هذا الوضع المأساوي علمياً وسياسياً، سوى الإحتفاظ بحالة الطوارئ واتخاذ التدابير الإحترازية والإلتزام بوسائل الوقاية، إلى أن تنكشف هذه الغمّة العالمية والمتمثّلة في اهتراء سياسي وأخلاقي وعلمي وأممي.