إيهاب شوقي
ألقى إعلان إصابة رئيس أكبر دولة بالعالم بفيروس كوفيد 19، الضّوء على حجم المرض وتسلّله وفشل التحكّم بحصارِه، وصعوبة الوقاية منه مهما كانت المحاذير، وهو ما يوجّه رسالة مباشرة لشعوبنا، إنّ الإجراء الواجب اتخاذُه فوراً هو الحفاظ دون أي تراخٍ على أقصى درجات الحذر والحيطة. هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى، يلقى الخبر الضوء على فشل الأولويات الأمريكية والإستهانة وإعلاء قيم التّجارة والمال والسّلطة على قيم الحياة الكريمة والصّحة والعلم، وهو ما وجّه رسالة مباشرة للعالم أجمع، بأنّ عقوبة ذلك حاضرة ومتحقّقة حتماً، وليس المستهينون والجبابرة بمنأى عنها. وهنا نودّ مناقشة سريعة لملابسات إصابة ترامب بالفيروس مع استخلاص بعض الدروس والعبر، والتي تَظهر جليّة من الملابسات دون جُهد كبير لاستخلاصها:
ثبتت إصابة ترامب بكوفيد-19 بعد تأكّد إصابة مساعدته هوب هيكس بالعدوى، وهو ما يعني وفقاً لوسائل الإعلام، أنّ المرض وجد طريقه للتفشي داخل دائرة الرئيس الداخلية.
وأفادت التقارير، انّ هيكس سافرت مع ترامب أكثر من مرّة مؤخراً، بما في ذلك المُناظرة الأخيرة التي أُقيمت في كليفلاند، وشوهدت على متن طائرة الهليكوبتر الرئاسية إلى جانب العديد من أقرب مساعدي الرئيس من بينهم جاريد كوشنر، دان سكافينو، ونيكولاس لونا، ولم يكن أي منهم يرتدي قناعاً واقياً، وكذلك كانت برفقة الرئيس بينما كان يتّجه إلى تجمّع انتخابي في مينيسوتا.
ومن خلال كلام ترامب نفسه في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز، قال إنّ هيكس ربْما أُصيبت بالفيروس من خلال تفاعلها مع أحد مؤيّديه.
وقال "إنّها شخص ودود للغاية، تمرّ بأوقات عصيبة، وعندما يأتون لتحيّتها فإنّها تتعامل معهم بطريقة رائعة، لا تقول لهم ابقو بعيداً، لا يمكنني الإقتراب منكم، إنّه مرض صعب للغاية".
وبحسب الأنباء، فإنّ ترامب، وقبل إعلان إصابته بالفيروس، استهان بتوقّعات استمرار تفشي الفيروس.
وإلى جانب هيكس، فإنّ الفيروس سبق وأصاب عدداً من مساعدي الرئيس، ففي أيّار/مايو الماضي ثبُتَت إصابة اثنين من موظّفي البيت الأبيض أحدهم عضو في البحرية يعمل كالخادم الشخصي للرئيس، وفي تموز/يوليو ثبُتت إصابة موظف في كافتيريا البيت الأبيض بالمرض.
ووسط استياء وتعجب، فقد نقلت وسائل الإعلام بشكل منتظم تجاهل ترامب للتوصيات الطبيّة المُحذّرة من خطورة فيروس كورونا، بما فيها الصّادرة عن فريقه الخاص، ووضع جدول مزدحم بالتّجمعات الإنتخابية المليئة بالأشخاص، وكذلك لقاءه بأنصاره في مينيسوتا وبنسلفانيا.
وثبُت تجاهل ترامب والعديد من مساعديه لممارسات مثل التباعد الإجتماعي وارتداء الأقنعة، وسخر الرئيس الأمريكي من منافسه الديمقراطي جو بايدن في المناظرة الرئاسية الأخيرة لارتدائه القناع بشكل متكرر.
هذا السلوك من رئيس أكبر دولة بالعالم، من المفترض أن تشكّل قدوة أخلاقية وعلميّة وسلوكيّة وحضاريّة، يكشف أنّ أمريكا لا تستند إلا على القوّة والبلطجة، وإنّ عناصر القوّة قد تقزّمت، بحيث فقدت عناصر القوّة الحضارية والعلميّة وكعناصر القوْة الناعمة بشكلٍ عام، وباتت تعتمد على القوّة العسكريّة فقط والدبلوماسية القسرية التي لا ترى إلا العقوبات وسيلة للتفاهم، وهو ما يعني أن نهاية أمريكا كامبراطورية، باتت أسهل وأقرب كثيراً، حيثُ تنحصر في معادلة قوّتها العسكريّة أو تشكيل قوّة رادعة لتحييدها، وهو أسهل كثيراِ من معادلة عناصر القوّة مجتمعة والتي كانت أمريكا تعتمد عليها في مواجهاتها السّابقة.
الآن نرى وضعاً غامضاً لحالة ترامب، تتضارب فيها التّقارير، فبينما يقول الفريق الطبّي: "الرئيس يحصل على عناية مركْزة ونراقب حالته الصحيّة بشكل مكثّف لمنع حصول مُضاعفات"، مضيفاً إنّه لا يُمكن التنبؤ بموعد نهاية علاج الرئيس ونعمل على منع حصول أعراض جانبية، وأنّ الرئيس ترامب ليس موصولا بجهاز التنفس الإصطناعي وأنّ حالته الصحيّة مستقرة ومعنوياته مرتفعة"، مشدداً على أنّ وضع الرئيس الصّحي جيد. نجد أنْ شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية تُفيد بأنّ ترامب يُعاني من مشاكل تنفسيّة إثر إصابته بفيروس كورونا المستجد.
ونقلت الشبكة في تقرير نشرته يوم السبت عن مستشار لترامب قوله "إنّ هناك مؤشّرات مثيرة للقلق من صحّة ترامب، قائلا: "الوضع خطير". وأوضح المستشار، حسب التقرير، أنّ ترامب يُعاني من حالة تعب وإنهاك قصوى وبشكل مستمر، بالإضافة إلى "بعض المشاكل التنفسية".
ونقلت الشبكة عن مصدر آخر مطّلع على الوضع تأكيده أنّ المسؤولين في البيت الأبيض يشعرون بالقلق البالغ إزاء صحّة ترامب.
ونقلت الشبكة عن مسؤول بارز في إدارة ترامب قوله إنّ الرئيس "على ما يرام الآن لكنّنا نخشى من أنّ الأمور قد تتغيّر على وجه السرعة".
هذا المناخ الذي تشهده أمريكا، هو مناخ لدول متخلفة، اعتمدت إدارتها على الخداع لحماية الإقتصاد، واستهانت بالعلم وبالوقاية وأساءت تقدير الموقف العام، بل والشخصي، حتى وصلت الكارثة لاكبر رأس في الدولة، ممّا سيشكّل تداعيات سياسية خطيرة في وقت انتخابي قاتل. إنّ الدّلالة المباشرة للحادثة وملابساتها وطريقة التّعاطي من بَداية الجائحة إلى لحظةِ إصابة ترامب ووضعه الغامض، هي أنّ أمريكا نمر من ورق وهيكل قوّة مستند على أعمدة واهية، وإنها امبراطورية في طور التراجع والإضمحلال، ولا تشكل نموذجا حضاريا، بل نموذجاً للبلطجة الخالية من العقل وأي من سِمات الحضارة والإنسانية.