ايمان مصطفى
قبل أيّام قليلة انتشر خبر في وسائل الإعلام مفادُه العثور على المواطن (ح م) والذي يبلغ من العمر 48 عاماً متوفياً أثناء وجوده في الحجر بمنزله في إحدى البلدات الجنوبيّة، وذلك بعد إصابته بفيروس كورونا. وبحسب معلوماتنا فإنّه أثناء ذهاب فريق من الهيئة الصحيّة لتفقّده وتأمين حاجيّاته عُثر عليه مفارقاً الحياة.
وقد نُقل عن العائلة أنّ "المتوفّي لم يكُن وحده، فقد كانت عائلته والبلديّة والطّبيب المكلّف بمُتابعة حالات كورونا يُتابعونه حيث يسكن في نفس المبنى الذي تسكن فيه عائلته ولكن في شقّة أُخرى كونه تحت الحجر الصّحي". وأضافت العائلة أنّه "توفّي ليلاً لذلك لم تُعرف وفاته إلّا في الصّباح حين تمّ تفقّده". كما أشارت إلى أنّ "الخوف سيطر عليه بسبب الفيروس ممّا أدّى إلى انقطاعه عن تناول الطّعام والشّراب ما أدّى إلى تدهور حالته ووفاته". فهل يمكن أن يموت مُصاب الكورونا بسبب الآثار النفسيٍة؟
سؤالٌ حمله موقع "كورونا نيوز" إلى مديرة دائرة التّثقيف النفسي في الهيئة الصحيّة الإسلاميّة زينب قاسم، التي تؤكّد أنّه من المهم جدّاً أن نتطرّق إلى مُعاناة مريض كورونا النفسيّة ونُعطي هذا الجانب أهمية خاصّة على غرار الأهميّة التي تُعطى للعوارض الجسديّة، لأنّ العوارض النفسيّة إذا لم يقدّم لها الدّعم المطلوب من الممكن أن تستمر مع المريض حتى بعد التّعافي.
أسبابّ التوعك النّفسي
تستفيض قاسم في شرح أسباب التّوعك النّفسي لدى مريض كورونا، وتقول: "أوّلاً يُعتبر هذا الفيروس جديد ويلفّه الغموض والإنسان عادةً عدوّ ما يجهل مما يُشعره بالخوف وبالإضطراب، وسط عدم توفّر الدواء وكِثرة الدّراسات المُقلقة، ممّا يخلق حالة من عدم التّوازن النّفسي لديه".
ّ
والسّبب الثّاني، بحسب قاسم، هو "التّركيز الإعلامي الواسع على عدد الإصابات والوفيّات، والتي تُثير الهلع في نفس المريض. والثّالث -والأهمّ - هو التّعاطي الإجتماعي مع هذا المرض، إذ أنّ خوف النّاس يدفعهم لنبذ المُصاب إجتماعياً ممّا يسبّب لديه عدم الإستقرار النفسي. بالإضافة إلى شعور المريض بالذّنب والخوف أن يكون سبباً في نقل العدوى لقريبٍ منه".
وتُضيف قاسم: "وما يجعل هذا المرض الأسوأ على الصّعيد النّفسي هو الحجر والعُزلة الإجتماعية التي يعيشُها المُصاب وتُساهم بتأزّم حالته".
العوارض النفسيّة
وبالنّظر إلى العوارض، توضح قاسم أنّ "النّتيجة الإيجابيّة لفحص الكورونا قد تولّد صدمة لدى المُصاب، ويختلف تلقّي الصّدمة من شخص لآخر، فقد يدفع الفيروس بالنّهاية لحدوث اضطرابات ما بعد الصّدمة حتّى بعد التّعافي الجسدي ممّا يستلزم العلاج النّفسي المكثّف والمتخصّص".
وبعدما تبدأ الصّدمة في التّراجع تدريجياً تحلّ محلّها موجة من الخوف والقلق، خصوصاً وسط غياب الدّواء، والأخبار المتداولة حول امتلاء الأُسرة في مُستشفيات لبنان. وقد ساهم الحجر المنزلي والتّباعد الإجتماعي في زيادة حالة القلق، فالإنغلاق القسري بين جدران البيت لعدّة أسابيع، أمر غير اعتيادي يتسبّب بالعديد من المشاكل والإعتلالات النّفسية. بالإضافة إلى الإكتئاب والأفكار السوداويّة التي تَنتج عن هذا الخوف والتّفكير الدّائم بالمرض.
وتُضيف مديرة دائرة التّثقيف النّفسي في الهيئة الصحيّة الإسلامية أنْ "كورونا عزّزت اضطراب الوسواس القهري، فالمُصاب لا ينفكّ عن مُراقبة الحرارة والعوارض الجسديّة، ويُبالغ بإجراءات التّعقيم، وقد يستمر معه هذا الوسواس حتّى بعد الشّفاء".
وتؤكد أنّ "العوارض النفسيّة تختلف بين الأفراد وتتفاوت تأثيراتها عليهم".
نصائح للصّحة النفسيّة
"من الطبيعي أن ينتابك شعور بالإحباط والوحدة في الأزمات وتحديداً الحجر الصّحي الذي فرضَته جائحة كورونا، لكن هناك طرقاً مؤكّدة واستباقيّة لتتخطّاها"، تقول قاسم، وتضيف: "يجب أن يُواجِه مُصاب كوفيد- 19 بقوّة، فهو بِحاجة إلى إيجاد طرق لتشتيت نفسه عن التّفكير كلّ الوقت بالفيروس، وإشغال نفسه بالمُطالعة أو الزّراعة أو التعلّم في حال كانت صحّته الجسديّة جيّدة".
تُضيف:"كما يُمكن له أن يكسر العُزلة من خلال التّواصل عبر وسائل الإتّصال مع أشخاص يرتاح معهم، وهذا من حسنات التقدّم التكنولوجي".
وتقول إنّ على المُصاب أن "يعزّز الجانب الرّوحي عبر التوكّل على الله سبحانه وتعالى الذي يبعث الطّمأنينة في النّفس".
وتُشير قاسم إلى أنْ "وزارة الصّحة إضافةً إلى جمعيّات كثيرة خصّصت خطّاً ساخناً للإستفسارات النفسيّة والدّعم النّفسي يُمكن الإستعانة بها لأخذ النّصائح".
واذ تُشدّد قاسم على أنّه "لم تَثبُت أيّ حالة وفاة في لبنان جرّاء العوارض النفسيّة، ولا يوجد دراسات واضحة حول العلاقة بين تأثيرات الصّحة النفسيّة على المريض والوفاة"، وتدعو بالمُقابل المُصابين إلى مُتابعة العوراض النّفسيّة إلى جانب الجسديّة لأنّها لا تقلّ أهميّةً وخصوصاً بعدما اثبتت بعض الدّراسات أنّ الضّعف النّفسي يؤدّي إلى ضَعف المَناعة التي يحتاجها الجسم لمُحاربة الفيروس".
مستشفى الشفاء التخصصي
يُعتبر مُسشتفى الشّفاء التّخصّصي مؤسّسة نموذجيّة بامتياز، فحِرصاً منه على السّلامة النفسيّة لأبناء الوطن، أطلق ثلاثة خطوط ساخنة تُعنى بالإستشارات النفسيّة المتعلّقة بعوارض فيروس كورونا. ووضع بخدمة المُصابين أطبّاء متخصّصين بعلم النّفس. فمع بَداية مرض كورونا، كان المُستشفى الوحيد الذي يستقبل الحالات المرضيّة النفسيّة، كما كان أوّل من أطلق الخط السّاخن للدّعم النّفسي، حيث يتلقى طلّاب علم النفس في الجامعتين اللّبنانية والعربيّة استفسارات المرضى عبر الخطوط الساخنة، ويتم تحويل الحالات الصّعبة إلى أطبّاء المُستشفى المتخصصين ليتمّ علاجهم مجاناً.
وأرقام الخط الساخن التابعة لمستشفى الشفاء هي:
81/908105
81/908106
81/908107