محمد كسرواني
فيما يزداد اعداد المصابين بفيروس كورونا (كوفيد-19) يومياً، يزداد معهم اعداد المتعافين من الوباء. هؤلاء عرفوا الفيروس عن قرب، شعروا بعوارضه المختلفة من الحرارة والسعال والتعب وغيرها. من بين عشرات العوارض عارض واحد يشترك جميع المتعافين انه كان الاصعب .. "فقدان حاسة الشم والتذوّق".
حكماً ليس كل المصابين بكورونا يشعرون بالعوارض ذاتها، بعضهم لا يعرف أنه اصلاً يحمل الوباء، آخرون يفتك بهم وقد يضطرهم لدخول المستشفيات وقد يقودهم الى الموت. لكن من بين جميع العوارض يبقى لفقدان حاسة الشم والتذوّق أثر نفسيّ يصعب تجاوزه بسهولة.
موقع "كورونا نيوز" التقى عبد الله، لبنانيٌ تعافى من الفيروس بعدما أصيب به في افريقيا وعانى ما عانى من الاعراض. يروي لنا رحلته من الاصابة وحتى الشفاء، متحدثاً عن أبرز العوارض التي مرّ بها.
يقول عبد الله انه اصيب بالفيروس بعدما نقله اليه أحد اصدقائه خلال دعوته الى العشاء. لم يكن صديقه يعرف انه يحمل الوباء، فنقله لعبد الله ومدعوٍ آخر. بدأت العوارض تظهر على عبد الله من الحرارة والارهاق، أجرى فحص الـ PCR فأتت النتيجة إيجابية، أعلم مخالطيه وحجر نفسه في المنزل.
مع تفاقم العوارض وبدء العلاج لاحظ ضعف حاسة الشم والتذوق، بعد مرور الايام لاحظ فقدان حاسة الشم لساعات ثم التذوق لساعات اخرى. استفاق يوماً وهو يفقد الحاستين معاً. يقول: "للوهلة الاولى يبدو كل شيء غريباً، تتذوق الحلو والمالح والحار فلا تميّز بينهم، بل اساساً لا تشعر بطعم شيئ. الطعام يصبح حشو للمعدة فقط ومنعاً للشعور بالجوع، يفقد كل شيء لذته، فلا فرق إن تناولت الماء او الدجاج او السمك او الارز، الفرق الوحيد في عملية المضغ".
ويشير عبد الله في حديثه لموقعنا الى ان ألم العارض نفسيٌّ بحت، وقد يكون اشد وطأةً من العوارض الجسدية الاخرى كوجع الرأس والحرارة والارهاق. يتابع: "صعب ان لا تستطعم بشيء، قد لا تميّز بين الفاكهة الصالحة من المتعفنة، لا فرق بين الطعام المطبوخ والنيّ، حتى تفقد شهيتك تدريجياً ويبدأ جسدك بخسارة مكوناته الصحية الرئيسية".
"مع مرور الايام وتعافي الجسد من العوارض الاخرى تبدأ حاسة التذوق والشم تعود تدريجياً"، يقول عبد الله في حديثه لموقعنا، ويضيف: "تستيقظ يوماً وانت تشمّ رائحة جديدة. بدايةً تشعر بالاستغراب! تشمّ رائحة ملابستك تتذكرها سريعاً، تبدأ عندها باختبارات الشم، تنجح في التمييز. تجرّب حاسة التذوق تجدها "خارج الخدمة"، بعد ساعة تختفي حاسة الشمّ. بعدها بساعة تجد نفسك تستطعم قليلاً بالطعام لكنك لا تشمه! تبدأ اختبارات التذوق، لا تدوم لأكثر من ساعة ولكن بحسٍ خفيف جداً".
ويتابع: "على هذا المنوال تقضي الايام الاخيرة من الاصابة، تعود حاسة ثم تختفي. تعود الحاستان معاً ثم تختفيان، لكن في كل مرة تعودان او تعود احداهما اليك تطول مدة التحسس. حتى ترى نفسك تعافيت تماماً من كل العوارض وعادت حواسك اليك. تجري فحوصات الـ PCR لتطمئن أكثر، تصدر النتائج سلبية. الفيروس خرج من جسمك وحملت المناعة، لكن حاسة التذوق والشم لم تعد قويةً كما كانت. تلحظ الامر عندما يشم غيرك رائحةً خفيفة انت لا تشمها، فالأمر يحتاج لأشهر لتعود الى حياتك الطبيعية".
عبد الله الذي عاد الى لبنان لزيارة ذويه بعد اصابة دامت قرابة الشهر والتعافي بشكل نهائي، يحجر نفسه في منزله قبل لقائه الأحبة. يقول لموقعنا: "إن فقدان الحواس أمر خطر جداً، هو مرهق نفسياً. يروي كيف تذوق بعض الطعام الذي كان يكره تناوله. بعض "طبخات" امه كان يأكلها خلال فترة الاصابة لأنها مفيدة فقط لا لأن لها طعم مميّز". يضيف: "كنت دائماً اتخايل وانا أفقد حاسة الشمّ ماذا لم تسرب الغاز في البيت ولم اشتمه؟، ماذا لو لم اشمّ رائحة الحريق في بيتي او ان الطعام على النار بدأ يحترق؟ ماذا لو لم أميّز بين طعام فسد من انتهت صلاحيته وتسممت؟، كل هذه الاسئلة كنت اطرحها يومياً، لا بل كل ساعة!".
اليوم يعيش عبد الله متعافياً من الوباء، لكنه كثير الحذر من الاصابة به مجدداً. لا يخفي ان العارض الاصعب والاقسى كان فقدان الحواس، ولو خيّر له تستمر العوارض وتطول مقابل عودة الحواس لقبل. يحذّر عبد الله عبر موقعنا الجميع من التهاون والتراخي بالإجراءات الوقائية، خاصةً بعدما عانى من عوارض الوباء مذكراً بالحديث: "درهم وقاية خير من قنطار علاج".