محمد كسرواني
مع تسارُع الشّركات العالميّة في إنتاج لُقاح لفيروس كورونا (كوفيد-19)، تكثُر التّساؤلات حول عمل اللّقاح ودوره في عَودة البشريّة لحياتها الطبيعيّة. فلطالما ارتبط فهموم اللّقاح بحديثي الولادة ولم يشهد القرن الماضي أيّ وباء عالمي شبيه بكورونا يحتاج إلى لُقاح سيستفيد منه أكثر من 7.75 ميار نسمة.
كيف تعمل اللّقاحات وممّا تتألّف؟ ما هي آليات تطويرها ولماذا تختلف المدّة الزمنيّة بين لُقاح وآخر؟ على من تُجرّب وهل سنشهد احتكاراً للُقاح كورونا المستقبلي؟ للإجابة على الأسئلة أجرى موقع "كورونا نيوز" مُقابلةً خاصةً مع الأستاذ والباحث في عِلم الفيروسات في الجامعة الأميركيّة في بيروت (AUB) الدّكتور حسن زراقط.
بَدايةً .. كيف تعمل المَناعة؟
عندما يتعرّض الجَسد البشري لأي جسمٍ غريبٍ (بكتيريا، فيروس ..) يَقوم جهاز المناعة بخلقِ أجسامٍ مضادّةٍ مهمّتها تعطيل عمل الفيروس ومُحاربتِه تمهيداً للقَضاء عليه، كما يقوم الجِهاز المناعي أيضاً بتشكيل ذاكرة مناعيّة للجسم الغريب.
تعمل اللّقاحات على نفس مبدأ مُكافحة الفيروس ولكن باختلاف وحيد. فبَدل إعطاء الجّسم الفيروس الحيّ يعطي اللّقاح فيروس (باختلاف أنواعه) يُساعد الجهاز المَناعي على العمل لخلق ذاكرة مناعيّة للمُستقبل. قد تنجح هذه الذّاكرة بمُحاربة الفيروس الحيّ، وقد تَفشل باختلاف أنواع الفَيروسات والجسم المُلقّح.
ما هي أنواع اللّقاحات؟
تختلف اللّقاحات من حيث الشّكل والنّوع، في حال لُقاح كورونا هناك 8 أنواع مُختَلفة من التقنيّات المُستخدمة لتَطوير اللّقاح.
منها "الفيروس المعطّل"، وهو الفيروس غير القادر على الإنتشار لكنّه يُعطي الجِهاز المناعي الذّاكرة أو الهويّة للتّعرف على شبيهه الحيّ مستقبلاً.
نوع آخر من اللّقاحات هو "الفيروس المخفّف"، وهو فيروس حيّ لكن بقُدرة عمل أقلّ وأبطأ من الطبيعي. يَستطيع الجِهاز المَناعي في هذا النّوع من اللّقاحات التّصدي والمَنع من الإنتشار والقَضاء على الفيروس وبالتّالي خلق ذاكرة مناعيّة.
من أنواع اللّقاحات "الفَيروس الجزئي". فغِلاف الفَيروسات تحتوي على البروتينات، وعندما نفصِلها عنهُ وندخِلها الجسم على شكلِ لُقاح نساعد الجِهاز المَناعي على فهم الفَيروس وتشكيل ذاكرة مناعيّة.
من أنواع اللّقاحات أيضاً "الفيروس النّاقل"، وهي شبيه بالفيروس الأساسي لكن دون قُدرة على التّطور والإنتشار. يُضاف إلى الفيروس النّاقل بروتينات (شيفرة) فيروس كورونا مثلاً، ما يُتيح لجِهاز المَناعة تشكيل ذاكرة مناعيّة ضدّ كوفيد-19 دون قُدرة الشّبيه أو النّاقل على العمل.
"الشيفرة الوراثيّة" تُضاف إلى أنواع اللّقاحات، وهو لُقاحٌ من "الحِمض الرّيبي الرّسولي" أو "حِمض نَووي ريبوزي منقوص الأكسجين DNA) للفَيروس وهي المادّة التي يستخدمُها الفَيروس كشيفرة خاصّة بِه. عندما نَحقن الفَرد بالشّيفرة يَستطيع جسمنا تصنيع هذه البروتينات ما يُساعد الجِهاز المَناعي على التّعرف على الفَيروس وتشكيل أجسام مضادّة والعمل على ذاكرة مناعيّة للتّصدي له. حُكماً لا تدخُل شيفرة اللّقاح إلى الشّيفرة الوراثيّة الأصليّة في جسم الإنسان بل ينحصِر دورَها في توليد المَناعة.
لماذا تختَلف مدّة المناعة بين لقاحٍ وآخر؟
تختلِف المدّة الزمنيّة لمنَاعة كلّ لُقاحٍ عن الآخر. بعض اللّقاحات تُؤخَذ مرّة بالعمر، وأخرى يجب أن تُعطى سنوياً.
السّبب الرّئيسي أنّ بعض اللّقاحات التي تدوم طويلاً في الجسم مصمّمة لفيروسات ثابتة أي لا تتغيّر أو تُطوّر شيفرتها الوراثيّة. بالمُقابل بعض الفَيروسات (كالإنفلونزا الموسميٍة) تتغيّر باستمرار والمناعة التي تتشكّل في الجسم تكون ضعيفة لذلك نحتاج إلى لقاحٍ سنوي يحمل بروتينات للفيروسات كانت تنتشر بكثافة في آخر موسم، حتى يمتلِك الجسم التّحديث الأخير من البروتينات.
ممّا يتكوّن اللّقاح؟
يتكوّن اللّقاح عادةً من الفيروس (باختلاف أنواعه) الذي نُحاول تشكيل مناعة ضدّه. ففي الفيروس المعطّل أو الفَيروس النّاقل تكون الجُرعة مكثّفة، أمّا في حال البروتينات يكون اللّقاح مكوّناً من بروتينات مصنّعة من خَلايا جرثوميّة أو خلايا حيوانيّة، في خِتام عمليّة الإنتاج يتمّ تنقية اللّقاح ليكون خالياً من أيّ شوائب.
حُكماً تُضاف مواد أخرى للّقاح معنيّة بحفظِه وإعطاء ديمومة أطول خاصّةً في حال الحفظ في الثّلاجة أو في درجات حرارة الغُرفة. من المواد التي تدخل اللّقاح أيضاً في بعض اللّقاحات هي محفّزات للمَناعة وهي تُساعد الجّسم المَناعي للعمل بطريقةٍ أفضل وأسرَع.
على من يجرّب اللقاح؟
يتم تجريب اي لقاح على اوسع شريحة من الافراد باختلاف اعمارهم واجناسهم وحالتهم الصحية. بعض اللقاحات التي تقوم على الفيروسات المخففة (القابلة على التكاثر بصورة مخففة) لا يعطى للأفراد الذي يعانون من ضعف مناعة او امراض سرطانية ويأخذون ادوية خفض مناعة او النساء الحوامل تفادياً لتفشي الفيروس بهم وعجز جهازهم المناعي على المكافحة. لذلك مع كل لقاح يوجد نشرة تفصيلية تحدد الفئات التي تستطيع الاستفادة منه.
هل هناك احتكار للقاح كورونا المستقبلي؟
بشكل عام لا يوجد اي شركة مصنعة للقاح كورونا حالياً تتجه للاحتكار، اولاً لعالمية الوباء وثانياً لوجود مؤسسات ناشطة ومنها عالمية (كمبادرة كوفاكس "COVAX")، تشجع على عدم الاحتكار وتهدف لتوزيع عادل ولو جزئي لكل شعوب العالم خاصة في الدول النامية لكي ستحصل عليه بأسعار مدروسة. فيما الدول الغنية فتستطيع دعم الشركات المطوّرة بهدف الحصول على لقاحات لأغلب سكانها.