(إيهاب شوقي/ كورونا نيوز)
الإنتشار الكثيف والمُرعب للمَوجة الحاليّة لفيروس كورونا، رُغم خُطورته، إلّا أنّ الحكومات يبدو وأنّها تتّجه للتّهوين من جديّة التّعامُل مَعه، لأنّ تجربة الإغلاق في المَوجة الأولى كانت قاسية على الحكومات والشّعوب سوياً.
إلّا أنّ هناك مُقاربة خاطِئة ومُضلّلة تسعى مُعظم الحكومات لتَسييدها، وهي التّخيير بين الإغلاق وقسوته، وبين الفَتح وتحميل المُواطن المَسؤوليّة الذّاتية عبر التزامِه بالإجراءات الإحترازيّة.
وما يجعلنا نقول أنّها مُقاربة مُضلّلة، هي أنّه حقّ يُراد بِه باطل، حيثُ هناك خَيار مفقود لا يتمّ تَناوله، وهو خلق الظّروف والبيئة المُلائمة للإحتراز والمُساعدة على التّمتّع بالمَناعة والحالة الصحيّة العامّة التي تشكّل حماية من المَرض وتمنَع تطوراته الخطيرة، وكذلك خلق تدابير اقتصاديّة عادلة تُساعد على تجنّب تبِعات الإغلاق عند الضّرورة.
أمّا ما يَحدث حالياً، فهو إصرار من مُعظم الحكومات الرأسماليّة والطفيليّة على الإستمرار في خَيارها الإقتصادي وتحميل الشّعوب للمسؤوليّة، أمّا الإقتصاديّة، وأمّا الصحيّة.
ورغم أنّ للشّعوب دور هام في الإلتزام ولا بدّ من مُراقبته، بل والمُحاسبة عليه، إلّا أنّ القضيّة التي نُناقِشها هنا، هي خلق الظّروف الإجتماعيّة والثّقافيّة والصحيّة التي تكفل هذا الإلتزام وتَستوجب المُحاسبة عليه.
ولعلّ عبارة "الوباء المركّب" والتي بدأ باحثون في استخدامِها، وألقى عليها موقع "بي بي سي" الضّوء في تقريرٍ له، توضّح ما نُريد قولَه.
هذا المُصطلح، يعني أنّ كوفيد 19 ليس وباءً منفصلاً ومعزولاً، فمن جهة، يوجد "فيروس سارس، كوفيد 2" المسبّب لكوفيد 19، ومن ناحيةٍ أخرى، توجد سلسلة من الأمراض المَوجودة مسبقاً.
ووفقاً للباحثين، يتفاعل هذان العُنصران بشكلٍ غير متساوٍ عندما نتحدّث عن فئات اجتماعيّة أكثر عُرضةً للإصابة، وقد سبق للأمين العام للأمم المتّحدة، أنطونيو غوتيريش، أن أكّد في وقتٍ سابق من هذا العام أنّ آثار الفيروس تستهدف العمّال الفقراء والنّساء والأطفال وذوي الإعاقات وغيرِهم من الفِئات المهمّشة.
وقد صاغ عالم الإجتماع ميريل سينغر مُصطلح "الوباء المركّب" في التّسعينيّات أثناء دراستِه لحالات تَعاطي المخدّرات في المُجتمعات منخفِضة الدّخل في الولايات المتّحدة.
وظهر مفهوم الوباء المركّب، وفقاً لبي بي سي، عندما كان هذا العالم وزملاؤه يَبحثون في حالات تعاطي المُخدرات في أوساط الفِئات الإجتماعية ذوات الدّخل الضعيف في الولايات المتّحدة، منذُ أكثر من عقدين. فوجدوا أنّ العديد ممّن يتعاطون المخدّرات عن طريق الحَقن، يُعانون من أمراض أُخرى مِثل السلّ والأمراض المعدية جنسياً.
واستغرب الباحثون من كيفيّة تعايُش كلّ هذه الأمراض في جسدٍ واحد، وخلصوا إلى أنّ هذا المزيج، في بعضِ الحالات، يُفاقم سوء الحالة الصحيّة للمريض.
وربَطت هذا المَفهوم بفيروس كورونا، تيفاني كيني، الباحثة في جامعة لافال في كندا، حيث أشارت إلى أنّ أمراضاً كالسكّري أو البَدانة - وهي أمراض في حُكم الخَطيرة لدى من يُصاب بكورونا - تنتشر بِكثرة بين أصحاب الدّخل المُنخفض.
وهنا، فقد خلص العديد من الخُبراء، إلى إبطاء تقدّم فيروس كورونا وتأثيره، يتطلّب الإنتباه إلى الظّروف الإجتماعيّة التي تجعل مجموعات معيّنة أكثر عُرضة للإصابة بالمرض مقارنة بغيرها.
ويقول العالم "ميريل سينغر" نصاً: "إذا كنّا حقاً نُريد إنهاء هذا الوباء الذي كانت آثاره مدمّرة على النّاس والصحّة والإقتصاد، أو نُريد إنهاء الأوبِئة المُستقبليّة من الأمراض المُعدية، فإنّ الدّرس هو أنّه يتعيّن علينا مُعالجة الظّروف الأساسيّة التي تجعل هذا انتشار الوباء ممكناً".
مضيفاً: "علينا مُعالجة العوامل البُنيوية المؤديّة إلى صعوبة حصول الفقراء على الخدمات الصحيّة أو تناول غِذاء كافٍ".
ربما لو تمّ توجيه النّفقات إلى الجانب الصّحي والإجتماعي والتوعَوي، بدلاً من الأولويّات الفاسدة، لكَان ذلك أهم وأكثر جدوى في مُواجهة وباء ممتدّ وربّما أوبئة أخرى قادمة.
بل لو تمّ توجيه النّفقات بديلاً حتى عن اللّقاحات، لكان أكثر نفعاً، حيث يرى أطبّاء كِبار أنّ للّقاح يُمكن أن يُعطّل انتقال العدوى، ولكن من غير المرجّح أن نَجد لُقاحاً يوقف تماماً انتقال الفيروس، فلُقاحات الأنفلونزا في الواقع لا تفعل الكثير للحدّ من انتقال العدوى، ولكنّها تخفّف من المرض.
وهناك الآلاف من ناقلي العدوى دون أعراض ظاهرة، وهو ما يتطلّب توجيه الجُهد للفُقراء وذوي المَناعة الضّعيفة بسبب الفقر وسوء التّغذية/ ممّن يَفتك بهم المرض لغياب المتطلّبات الأساسيّة للإنسان من مَسكن صحّي وتغذية سليمة، ووعي يجب التحلّي بهِ قبل تَوجيه سِهام النّقد وتَحميل المَسؤوليّة.