(إيهاب شوقي/ كورونا نيوز)
بعد نَحو عام من انتشار الضّيف الثّقيل على العالم، وما أحدَثه من إرتباك على كافّة المُستويات الاقتصادية والاجتماعية والثّقافية، ربّما تغيّرت الأجواء قليلاً، فتحوّلت من التّشكيك في وجود وباء من دمه، إلى ترقّب لموعد الزّوال، وأفسحت نظريات تدفع باتّجاه وجود مسبّبات أُخرى غير فيروسية، مثل شبكات جي 5، غاز السيانيد، المجال لنظريّات أُخرى تتعلّق بقناعة تامّة بوجود الفيروس، ولكن تتساءل عن كونه طبيعي أم صناعي.
ومن المعلوم أنّ فيروس SARS-CoV-2 هو من عائلة فيروسات كورونا المعروفة منذ زمن، والتي تضمّ 7 فيروسات، منها 4 تتسبّب بأمراض موسمية بأعراض عادية، واثنان يسبّبان أعراضاً خطيرة وهما فيروس السّارس الذي ظهر في الصين في عام 2003، وفيروس ميرس الذي ظهر في عام 2012.
وأنّ الفيروس الحالي المعروف باسم SARS-CoV-2 والذي يسبّب مرض كوفيد-19، فهو أكثر سرعة بالإنتشار ولكنّه أقل خطورة من الفيروسات السّابقة، حيث إنّ أكثر من 80% من المُصابين لا تَظهر عليهم أيّة أعراض خطيرة.
ومنذ ظهور الفيروس أواخر ديسمبر "كانون الأوّل" 2019، برزت نظريّات المؤامرة لتفسير انتشاره السّريع، وحدث توزيع للإتّهامات في جميع الإتجاهات، فذهب البعض إلى توجيه أصابع الإتّهام إلى الولايات المتّحدة بتطوير الفيروس عمداً في إطار الحرب التّجارية بين واشنطن وبكين واتّهم البعض، ومن ضمنهم سياسيون أميركيون، الصين بتطوير أسلحة بيولوجيّة من بينها هذا الفيروس.
ولعلّ الدافع الى توجّه الأنظار لحرب جرثومية، هو أنّ هذا الطّرح يتّسم بالعلميةـ فالأسلحة البيولوجية أو الجرثومية، وفقاً للتقارير، تقوم على خمس فئات مختلفة من العوامل التي يمكن تحويلها إلى أسلحة واستخدامها في الحرب أو الإرهاب، وتشمل البكتيريا وتتسبّب في أمراض مثل الجمرة الخبيثة والطاعون، والريكتسيا وتسبّب حمى التيفوس، والفيروسات وتستخدم بسهولة كأسلحة تسبّب أمراض مثل التهاب الدّماغ، الفطريات وعادة ما تصيب المحاصيل الزراعية، السّموم التي يمكن تطويرها إلى أسلحة بعد استخلاصها من الثّعابين والحشرات والعناكب والكائنات البحرية والنباتات وغيرها.
بينما فيروس كورونا، فقد دحَض باحثون من الولايات المتحدة وكندا هذه الفرضية، حيث قالت ميا ماجوميدر، الباحثة لدى مستشفى بوسطن للأطفال في تعليقات لمجلة فورين بوليسي الأميركية: "الأمر لا علاقة له بسلاح بيولوجي، ويجب أن يتمّ التّعامل معه على أنّه أمر طبيعي".
كما حذّر ديفيد فيسمان، أستاذ علم الأوبئة في كليّة "دالا لانا" للصحّة العامّة بجامعة تورنتو من أنّ من يُرَوّجون لهذه النظرية يدفنون أدمغتهم في الرّمال، موضّحاً: "نحن أمام كارثة من نوع جديد وليست سلاحاً بيولوجياً، نحن أمام تحوّل كبير في النّشاط الفيروسي على كوكب الأرض وليس بفعل البشر، ولكن بفعل الطبيعة".
وقد انتشرت روايتان رئيسيّتان إحداهما صينيّة وأُخرى أمريكية:
والرواية الأولى التي أطلقتها السّلطات الصينية قالت أنّ الفيروس نشأ في سوق ووهان للحيوانات البرية، وهو ناتج عن حيوان الخفاش، ليظهر بحث آخر يشير أنّ الفيروس يحتوي على جزء من فيروسات ناتجة عن حيوان آكل النمل الحرشفي.
والرواية الأمريكية قالت إنّ الفيروس انتشر من معهد ووهان للأبحاث الذي يبعد بضعة أميال عن سوق ووهان.
وبالتّالي فإنّ الصّراع بين الآراء انحصر في سؤال مَفاده، هل الفيروس تطوّر بشكلٍ طبيعي أم صناعي؟
وبالإطّلاع على بعض الآراء العلميّة، يصعب الحصول على إجابة شافية، فقد قالت الدّكتورة هالة زهر الدين وهي باحثة في مركز علم الجينوم والأنظمة الحيوية في جامعة نيويورك ـ أبو ظبي في تصريح لصحيفة الرؤية، أنّ دراسة جينوم الفيروس الحالي أثبتت أنّه شبيه بدرجة عالية بفيروس كورونا التّاجي الذي مصدره الخفافيش، مع بعض التّعديلات بالأحرف الجينيّة في المنطقة المسؤولة عن إنتاج البروتين التي تحدّد الخليّة المُستقبلة لدى الإنسان وهذا الجزء شبيه أكثر بفيروس كورونا الموجود بحيوان البنغولين.
مشيرةً إلى أنّ فيروس كورونا الحالي ناتج عن إعادة تركيب بين الفيروسين من حيوانين مختلفين، وعملية إعادة التركيب هي إجراء طبيعي يحدث في الطبيعية بين الفيروسات، وليس من الضّرورة أن يكون مفتعلاً مخبرياً.
وتحدث عمليّة التّركيب طبيعياً بوجود احتمالين، الإحتمال الأول إصابة حيوان البنغولين بفيروس من الخفاش أثناء إصابته بفيروس آخر ما أدّى إلى اندماج الفيروسين داخل الخلايا الحيّة، ومن ثمّ انتقل للإنسان.
والإحتمال الآخر هو إصابة إنسان بفيروس من الخفاش وفيروس آخر من البنغولين، ليندَمج الفيروسان داخل الإنسان، ولا يزال العلماء يبحثون في النظريتين للوصول إلى نتيجة شافية، إلّا أنّه حتّى الآن لم يجد العلماء ما يُشير إلى أنّ عمليّة إعادة التّركيب جرت بطريقة صناعيّة عن قصد، ويرجّحون أنّه تمّ تطويره بفعل عوامل الطبيعة، ولا توجد دراسة جدية تُثبت العكس.
ولكن بقيّة حديث الدكتورة هالة، لا ينفي حدوث الأمر بشكل صناعي، حيث أوضحت في نفس الوقت أنّ العلماء يمتلكون التكنولوجيا والمعرفة التي تسمح لهم بتعديل أو إنشاء فيروسات جديدة، لكنهم يستخدمونها لأسباب وجيهة ومفيدة مثل العلاج الجيني، وفهم الإنتقال الفيروسي للوقاية من الأمراض وما إلى ذلك.
وهنا يُمكننا الولوج إلى تسييس المرض وبناء الإتهامات المختلفة على أسس علمية، فبينما اعتبر تقرير صحيفة "ديلي ميل" البريطانيّة من بين أوّل التّقارير التي لمّحت إلى إمكانية وجود صِلة بين الفيروس ومختبر ووهان الوطني للسّلامة الأحيائية، الذي افتُتح عام 2014، فعلى النقيض، اعتبرت وسائل إعلام صينية وروسية أنّ فيروس كورونا سلاح بيولوجي أمريكي موجّه ضدّهما.
وتحدثّت وسائل إعلام صينية أنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي المصدر الأساسي لفيروس "كورونا الجديد"، حيث أشارت إلى أنّ جنوداً أمريكيين شاركوا في دورة الألعاب العسكرية العالمية التي جرت في مدينة ووهان، وتنافس فيها 10 آلاف عسكري من مختلف أنحاء العالم في أكتوبر/تشرين الأول 2019، هم الذين نقلوا الفيروس إلى هذه المدينة.
يقول المراقبون، أنّ ما يحدث ليس بجديد، فكلّ الأوبئة التي ظهرت سابقاً كانت دائماً مرفقة بشائعات ونظريات مؤامرة ذات انعكاسات خطيرة.
وفي ظلّ غياب للشّفافية وصراع عالمي حاد يفتقد الجوانب الأخلاقية، فإنّ كلّ الإحتمالات تبقى مفتوحة، وهناك حقيقة واحدة راسخة وجليّة، وهي أنّ هناك وباء ينتقل عن طريق العدوى، وأنّ هناك إجراءات احترازيّة ينبغي اتخاذها، وأنّ هناك مسؤوليّة وطنيّة على الحكومات والأفراد ينبغي التّحلي بِهَا.