إيمان مصطفى - كورونا نيوز
كان ذوالفقار، البالغ من العمر اثنا عشر عاماً، يعيش حياة مفعَمة بالنّشاط والحيوية، إلى أن جاء فيروس "كورونا" إلى لبنان، فتبدّلت عاداته وطريقة تعاطيه مع الأمور، فوجد نفسه أسير معركة لا يعلم متى تنتهي، خصوصاً أنّ كل تفاصيل يومه تغيّرت، وأوّلها غيابه عن المدرسة والتزامه البيت كل الأوقات. فهل تذكرون الطّفل ذوالفقار حسن منصور الذي فقد يوم الأحد الماضي من منزل ذويه في الكفاءات؟
فقد انتشر خبر فُقدانه على مواقع التّواصل الإجتماعي كالنّار في الهشيم، ليتبيّن لاحقاً لموقع "كورونا نيوز" -الذي تقصّى أسباب اختفائه- أنّ جائحة كورونا وإجراءات الحجر الصّحي هي التي دفعت الطّفل للخروج من المنزل وعدم العودة.
والدة ذوالفقار الحاجة زينب علاء الدين بيّنت لنا أنّ حياة إبنها كلّها تغيّرت كأقرانه، فبات جليس البيت لا يخرج منه أبداً وسط إجراءات وقائية صارمة جداً، فتسبّبت حالة الحجر الصحي الشامل التي فرضها فيروس كورونا المُستجد في تقييد حركة طفلها وبقائه في فضاء ضيّق ومُغلق، بعد تعوّده على اللّعب وممارسة الأنشطة الرياضية والثّقافية في فضاءات مفتوحة. وقد خلفت هذه الحالة تداعيّات سيئة على نفسيته فاضطر إلى إظهار سلوك عنادي.
ولفتت علاء الدين إلى أنّ فترة الحجر الصّحي جعلتها تكتشف سلوكاً في إبنها لم تتعوّده من قبل على عكس إخوته الذين تقبلوا فكرة الحجر. وأرجعت ذلك إلى انعدام ممارسة أي نشاط من شأنه أن يستوعب حالته النفسيّة باعتباره كان شديد النّشاط ومُفرط الحركة. وأضافت: "اليوم يعيش طفلي بضغط نفسي كبير وخوف وقلق"، وما عزّز إحساسه بالخطر والخوف إصابتنا بفيروس كورونا في العائلة منذ شهر، وسط سماعه الأخبار والأقاويل المُتناقلة هنا وهناك، وتحذيراتنا من عدم الإختلاط بأحد أو الخروج كي لا نسبّب العدوى لهم، فصار يُناديني متوسّلاً بخوف: "ما تموتي بكورونا".
وأسمعه دائماً يقول: "أنا أكره كورونا، لأنّه غيّر حياتنا، متى سينتهي ويذهب"، ويلوم الدّولة باستمرار لاتخاذها قرار إغلاق المدارس والمرافق العامّة في البلد. ويشكو من عدم وجود حديقة عامة ليلعب بها. وقد فشلت كل محاولاتي في المنزل لإرضائه وإشغال وقته، إذ حاولتُ تقديم حلول له وإفهامه أنّ جائحة كورونا أثّرت على جميع الأطفال والطّلاب على مستوى العالم، ولكنّنا لم نعُد نسمع منه سوى كلمة "زهقان". كلها عوامل، دفعت بذوالفقار إلى مُغادرة المنزل متمرّداً على إجراءاتنا الوقائية، وقرارات الدّولة بالإقفال.
بالمُقابل، أشارت علاء الدين إلى أنّ إبنها عاد سعيداً ومُرتاحاً مساء ذلك اليوم بعد أن وجده أحد الشبّان وأعاده إلى والده، فقد حقّق ما يريد وخرج من المنزل!
تأثيرات فيروس كورونا على صحّة الأطفال النفسيّة
الإختصاصية في العلاج النفسي العيادي رولا عزالدين، علّقت على قصّة الطفل ذوالفقار منصور، مؤكدةً أنّ الشعور بالقلق أمر طبيعي عند كلّ النّاس في الظروف الحالية، وهو نابع من مشاعر الخوف تجاه توقّع الأخطار التي تجعل الفرد يتحفّز على حماية نفسه. ولعلّ قلق الأهل البارز للعيان والإجراءات التي يتّخذونها سبيلاً في حماية أولادهم تدفع بالأطفال لتبني سلوكيّات خارجة عن إرادتهم. وتتثّمل -بحسب الفئة العمرية بين طفل وآخر- بالأعراض المَزاجية وكثرة الجدل وغيرها.
وقد يُسيطر على الطفل أيضاً أعراض نقص الإنتباه وسهولة التشتّت خاصّة في ظلّ التعليم عن بعد. وقد تبرز سلوكيات كزيادة القلق بالإضافة إلى اضطرابات في النّوم وسمات عصبية وغيرها.
ووفقاً لعلاء الدين، تختلف طرق التّعامل مع هذه الإضطرابات التي يعيشها الطفل، لذا يجب الإنتباه جيّداً إلى أهمية التحدّث عن مشاعر القلق التي يلاحظها الأهل لدى أطفالهم والعمل على التخفيف عنهم وليس العكس. ولذا من المهم الإلتفات إلى عدم الجلوس مطوّلاً أمام شاشات التلفاز والإستماع إلى الأحداث التي تصدر بشأن الإصابات والإجراءات الوقائية التي تزيد من قلق كافّة أفراد الأسرة، وبالتالي ستنتقل إلى الأطفال في حال عدم شرحها لهم بالطّريقة التي تتناسب مع أفكارهم وأعمارهم.
كيف تتعامل مع الأولاد خلال فترة الحجر الصّحي؟
المُعالجة النفسيّة شدّدت على أنّه يتعيّن على الأهل أوّلاً شرح خطورة الفيروس للأولاد من دون إثارة الخوف والقلق لديهم، وبكلام يتناسب مع سن كل طفل، مستشهدين بدور وزارة الصحة في هذا المجال.
ثانياً، وضع الأمل داخلهم، بأنّ الحالة سوف تتغيّر ولن تستمر كما هي، وستعود الحياة كما كانت.
ثالثاً، المحافظة على النّظام السائد سابقاً في المنزل كما كان مثل: مواعيد النّوم، وأوقات تناول الطعام، والمهام الباقية، دون المساس بها فبذلك سيكون الأولاد أقل توتّراً خلال فترات الحجر.
رابعاً، إعداد أنشطة منزلية لتعليمهم تحمّل المسؤولية مثلاً: ترتيب السرير الخاص بهم، طي الملابس، توضيب الألعاب، ترتيب الغرفة، المساعدة في إعداد المائدة، وحتى أيضاً المشاركة في إعداد الطعام.
خامساً، تخصيص وقت للنّشاط المدرسي خلال النهار، مع الإلتفات لتعليم الولد تقنيّات البحث عبر الإنترنت - مع متابعة الأهل - عن وسائل تعليم مريحة لهم.
سادساً، تخصيص وقت بين الأهل والأولاد مثل وضع قواعد منزلية يوافق عليها الجميع من أجل تجنّب المجاوزات وتحمل العواقب في حال الإخلال بهذه الأنظمة.
سابعاً، تنظيم وقت الطفل من خلال إرشاده للإهتمام بصحته البدنية والنفسية وتخصيص وقت للتّرفيه مع العائلة.