إيهاب شوقي
لا يبدو أنّ هناك أملاً كبيراً في أن تتّعظ قوى الهيمنة والإستكبار من جائحة خطيرة بحجم كورونا شكلّت تداعياتها خطراً كبيراً على النّظام العالمي برمّته وقوانينه وتكتّلاته وتوازناته.
وبعد أن تعلّقت آمال الشّعوب باللّقاحات، باعتبارها الضوء المنتظر في نهاية نفق حالك، بدا التّعاطي مع اللّقحات بعيداً عن المفهوم الإنساني، ومرتبطاً بمفاهيم السياسة والإستعراض والإنحياز والظّلم، وكلّ المسالب التي كان ينبغي على كارثة بشرية شاملة أن تحيدها لتفسح الطريق لنوع من التعاون والمُشاركة في الخلاص الجماعي.
ومن ضمن أشهر العناوين الراهنة، هو السّباق على اللّقاحات، لا بمعنى النّجاح في الحصول على حصص منها، ولكن على إنتاجها، كنوع من السّبق السياسي دون التقيّد بمحاذير أعلنتها المؤسّسات الطبيّة بنفسها.
فبدا الأمر أنّه تسييس وهو ما يفقد الثّقة في هذه الجهات، ويلقي بظلال ثقيلة على مصداقيتها.
وللتّوضيح، فبعد أن أعلنت روسيا أنّها ستكون أوّل دولة في العالم تبدأ بحملة التّطعيم ضد فيروس كورونا، وبعد التّشكيك الغربي في اللّقاح الروسي وأنّه لم يأخذ الوقت الكافي لاختباره ولم يمر بالمراحل التي تجعله مطمئنا، فوجئنا بأنّ الحكومة البريطانية قالت إنّ بريطانيا تستعدّ لتُصبح أوّل دولة تطرح لقاح شركتي فايزر وبيونتك لكورونا ليكون مُتاحاً في المشافي قبل توزيعه على عيادات الأطباء.
وقرّرت إعطاء الجُرعات الأولى، مع إعطاء هيئة الصّحة العامة أولوية قصوى لتطعيم من تجاوزت أعمارهم 80 عاماً والعاملين في مجال الرّعاية الصحيّة وموظفي دور الرّعاية ونزلائها، وذلك رغم الإنتقادات التي أطلقها مسؤولون في قطاع الصّحة في دول أخرى، على رأسها الولايات المتحدة، ضدّ السّرعة التي أقبلت فيها بريطانيا على ترخيص استخدام اللقاح، باعتبار أنّها "لم تدرّسه بالشكل الكافي".
هنا نحن بصدد سجال سياسي فيما يبدو بين الشّرق بممثله الروسي، والغرب برأس حربته الأنجلو ساكسوني!
وهناك مظاهر أخرى للتّسييس أو على الأقل لانعكاس السياسة على التّعاطي مع أزمة بالأساس إنسانيّة شاملة، ويمكن من مجمل التّقارير، إلقاء الضّوء على نماذج لهذا التسييس:
فمثلاً يرصد المراقبون أنّ نهج بكين - الذي أطلق عليه اسم "طريق الحرير الصحي" - يتناقض بشكل حادّ مع شعار واشنطن "أمريكا أولاً". حيث تشمل الدول المدرجة على قائمة أولويات الصين، كمبوديا وميانمار ولاوس وتايلاند وفيتنام وماليزيا وأفغانستان، وفقا لما رصدته مجلة فورين بوليسي الأمريكية.
والتي رصدت ايضاً، أنّ العديد من الدّول العربية قابلت مشكلة عندما طلبت لقاحات من مجموعة متنوّعة من شركات الأدوية الغربية، بسبب الإمدادات المحدودة والتي كانت من نصيب العالم المتقدّم الذي اشترى معظم عمليّات الإنتاج الأولى.
جانب آخر يتعلق بالإنحياز للصهيونية، حيث تعرّضت ألمانيا لانتقادات من بعض النّشطاء لقرارها تصنيف "إسرائيل" كدولة أوروبية في خطط توزيع اللّقاحات في الإتحاد الأوروبي.
وهو ما يعني أنّ الإسرائيليين سيتلقون التّطعيمات من مخزون الإتحاد الأوروبي عندما يتمّ الموافقة على اللّقاحات وإقرارها، وبالمقابل لا يبدو أنّ خطة الإتحاد الأوروبي وألمانيا ستتضمن تطعيمات للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلة، مما يهدد بتفاقم الفوارق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، الذين تمّ بالفعل تقييد وصولهم إلى الإمدادات الطبية والرعاية.
جانب آخر يعكس الإستقلالية والصمود، رصده الأمريكيون في تقرير فورين بوليسي، وهو ما يتعلّق بأنّ إيران تُطوّر لُقاحًا خاصًا بها لفيروس كورونا، حيث من المقرّر أن تبدأ تجارب المرحلة الأولى قبل نهاية التّقويم الفارسي، ومن المتوقّع أن يصل إلى الجمهور الإيراني بحلول الصيف.
على كل، ورغم هذا التّسييس والإنعكاسات السياسيّة على التّعاطي مع الجائحة، فإنّ التّقديرات الصحية لا تشي بأن اللّقاحات هي الحل السحري للمعضلة، حيث ذكر مسؤول صحي بارز أنّ لقاحات فيروس كورونا ستوفّر بعض الضوء في نهاية النّفق، ولكنّها وحدها لا تعني نهاية جائحة فيروس "كوفيد-19".
كما قال المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية بمنظمة الصحة العالمية، الدكتور مايكل رايان: "أود ّأن أقول إنّ اللّقاحات لا تعني صفر كوفيد"، ثمّ أضاف: "ستضيف اللّقاحات والتّطعيم أداة رئيسية وقوية إلى مجموعة الأدوات التي تتوفّر لدينا. ولكنّها لن تقوم بالمهمة وحدها".
وهو ما يعني استمرار الحذر والأخذ بالتّدابير والإجراءات الإحترازية وعدم الوقوع في فخ التّراخي والإهمال، وهو ما يستدعي أيضاً من الحكومات الوطنية الإعتماد على الذّات وإصلاح القطاعات الصحيّة وتعديل الأولويّات بشكلٍ عاجل.