محمد باقر ياسين/ موقع كورونا نيوز
تخطّى لبنان عتبة الـ 150 ألف إصابة بكورونا منذ ظهور الفيروس، تعافى منهم أكثر من 103 آلاف لبناني. لكن المتعافين منهم، ممن يَمتلكون مهناً ومصالح خاصة تُعتبر مصدر رزقهم الوحيد، باتوا يواجهون بعد عودتهم إلى الحياة معاناة، تتمثّل بالنّظرة السّلبية للمجتمع اتجاههم، والخوف من نقل العدوى لهم رغم شفائهم، ما يؤثّر سلباً على أرزاقهم، فماذا يروي أصحاب المصالح من قصص مُعاناتهم لموقع كورونا نيوز؟.
يقول الحاج أبو علي وهو صاحب دكان يبيع من خلاله المواد التّموينية، "أُصبتُ بكورونا واضطررت لإقفال دكّاني لمدّة شهر تقريباً حفاظاً على سلامة أهلي وجيراني في الحي، وبعد شفائي عُدت إلى الدّكان وكنت مفعمٌ بالنّشاط والشّوق لمُلاقاة الزبائن".
وبغصةٍ يصف ما يحدث معه "لم يقصد أحد دكّاني وكل من يراني يتكّلم من بعيد، لا يقترب ويلوذ مسرعاً، ومنهم من يمر ولا يلقي حتّى السّلام وكأنّه قد رأى شبحاً مرعباً". ويضيف "لست بفيروس كورونا، أنا مجرّد واحد من الآلاف الذين أصيبوا بلبنان والملايين الذين أصيبوا في العالم، وسيأتي يومٌ لا قدر الله بأن يكون واحدٌ من هؤلاء مكاني فماذا يفعل؟".
يستكمل أبو علي حديثه لموقعنا "تعامل جيراني معي أشعرني باليأس لدرجةٍ أني أقوم حالياً بتصفية المواد التي في دكاني وسأتوجّه للعيش في قريتي، ققد صبرت لأشهر لعلّ الحال يتغيّر، لكن لم يقصد دكاني سوى القلّة من الذين يعلمون بأنّني لم أعد أشكّل خطراً عليهم، وهذا لا يكفي لأحصّل قوت يومي".
الحاج أبو علي ليس وحيداً في هذه المعركة، أبو محمد أيضاً صاحب صالون حلاقة يروي تجربته بعد فتح المحال، وبقصةٍ مشابهة من حيث الإقبال، ويقول "رغم أنّني لم أخبر أحداً بأنّني أُصبت واكتفيت فقط بإقفال المحال، لكن بعدها لم يُقبل على الحلاقة إلّا القليل".
ويسرد لنا أبو محمد ما حصل معه أثناء حلاقته لزبونٍ قصده، حيث ذكر أمامه أنّه شفي من الفيروس، وفجأة تغيّرت ملامح الرجل وأخذ يتصبّب عرقاً وكأنّه قال له بأنّه الفيروس وسيُصاب بالعدوى. ويُضيف "أخذت أطمئِنه وأشرح له بأنّني قد تعافيت من المرض ولم أعد أشكّل أي خطر عليك وبالعكس أنت من تشكل خطراً علي، بعدها هدأ الرجل وسكن".
ويشير أبو محمد إلى أحد الزبائن ممّن قصده وقال له "أنا قد قصدتك بشكلٍ خاص كونك قد شفيت من الكورونا، وأنا الآن مطمئِن بأنّني سأرتّب مظهري أنا وأطفالي بأمان، "أنت يا أبا محمد قد قُمت بحل مشكلةٍ كبيرةٍ"، فمكان التزيين هو من أخطر الأمكِنة التي يُمكن للفرد أن يُصاب من خلالها بكورونا".
كذلك توجّه له الرّجل شاكراً وقال "لو أنّ جميع الناس لديهم الوعي والثّقافة الكافية لقصدوك أنت دون سواك لما تشكّله من أمانٍ لهم، لكن ماذا نفعل المجتمع يخاف من الذي لا يُخيف أصلاً ولا يخافون حين يقومون بممارساتٍ تعدّ فيها الإصابة أكيدة".
وللوقوف عند هذه الظاهرة التي تتّسع يوماً بعد يوم، سألنا، الدكتور علي كريم، مدير الدّراسات الميدانية في مركز الأبحاث والدّراسات التّربوية الذي يقول "بالنّظر إلى ما قد أصاب العالم اليوم من جائحة لم تدع بلداً على وجه الكرة الأرضية إلّا ووصلت إليه، يقف المرء متأمّلاً كيف يتعامل الناس مع الأمر، سواءً في الأماكن العامّة المفتوحة، أو في البيوت ومراكز العمل، أو في الأسواق والمتاجر أو في أي مكان آخر".
ويشير إلى "التّفاوت الحاد في ردات فعل الناس سواء مع أنفسهم إن كانوا مصابين، أو تجاه الإجراءات الإحترازية، أو في التّعامل مع المصابين أنفسهم أو المشتبه بإصابتهم".
الدكتور كريّم يؤكّد أنّ "محدودية المعرفة وعدم الإطلاع على الحقائق العلمية التي يسوقها كل يوم أهل الإختصاص حرصاً على السلامة العامّة، تجعل الإنسان في حيرة أمام الموقف الذي يمكن أن يتبنّاه. ولعلّ أكثر المواقف التي تستوقف المتتبّع لسلوك الناس، هو مُقاطعة من أصيب بالفيروس وشُفي منه".
ولدى سؤاله: هل تعني إصابة فرد ما ومن ثم شفائه، بأنّه يجب أن يصبح منبوذاً من مجتمعه؟ يجيب أنّه "للإجابة على السؤال، وفهم حقيقة الأمر من الوجهة الاجتماعية لا بدّ من الإلتفات إلى ما يلي:
1- إنّ الإصابة بالفيروس هو أمر طبيعي، ومرشّح كل فرد منّا أن يُصاب به مع كلّ الإحتياطات والإجراءات الإحترازية التي يمكن أن يأخذ بها، فالعمل يجب أن يكون منصباً على رفع منسوب المناعة الصحيّة مع الإجراءات المتّخذة.
2- المُصاب بالفيروس يحتاج إلى الرّعاية والإحتضان، والذي شُفي من الفيروس يحتاج إلى المساندة والدّعم، وبالأخص إذا كان من الذين تعطّلت أرزاقهم جراء فترة الحجر الصحي للتّعافي.
3- المُصاب الذي شُفي -على ذمّة التقارير الصحية- لم يثبت بأنّه يمكنه نقل الفيروس للآخرين، بل إنّه قد تشكّلت لديه مناعة له ولغيره ولو لمدة أشهر، والأمر يبقى رهن مراجعة التقارير الصحية والتّجارب العلمية.
4- المسؤولية المجتمعية تقتضي رفع منسوب الوعي والمعرفة بكلّ ما يتعلّق بانتشار الفيروس وسبل الوقاية منه، وفي نفس الوقت رفع منسوب التّكاتف والتّضامن المجتمعي حتّى لا يُصاب بفيروس قلق الوهم، ويُصاب معه الذي شُفي بالعزلة بعد الحجر".
ويختم الدكتور كريم حديثه ناصحاً "لنكن جميعاً على قدر المسؤولية الشرعية والإنسانيّة والأخلاقيّة والمجتمعيّة، دمتم بخير وسلامة".