شارل ابي نادر (عميد متقاعد - لبنان)
قد يكون مُستغربا لعدد كبير من المتابعين أن يقال ان لفيروس كورونا حسنات او ايجابيات، فكيف يستقيم ذلك وهو وباء معدي وشبه قاتل، انتشر وتمدد عبر العالم بسرعة فائقة، حاصدا حتى الان ملايين الاصابات وعشرات الالاف من حالات الوفاة، بالاضافة لما اصاب العالم من انهيار اقتصادي وطبي ومؤسساتي، مع خسائر مالية واقتصادية وأزمات اجتماعية لا يمكن تقديرها، وتداعيات هذه الخسائر لن تقتصر على ما يواكب مرحلة انتشار الوباء، بل ستتجاوزها حتما الى ما بعد انحساره، وتاثيراته السلبية لن تقتصر على مناطق انتشاره بل ستتمدد الى مناطق لم تسجل ما يذكر من الاصابات، وذلك بسبب ارتباط الاقتصاد على كامل جغرافية الكون .
هذا بالمبدا، حيث تَغلُب سيئات وسلبيات وتداعيات الفيروس، ولكن، ايضا بالمبدا واستنادا لسنة الحياة وقوانينها وخبراتها وتعاليمها، لكل مشكلة او ازمة نتيجة ايجابية على الاقل تكون غير مباشرة، ويمكن لمن يريد ان يتعلم الاستفادة من تلك المشكلة او الازمة او الكارثة حتى... وهذا ما يمكن ان نسلط الضوء عليه، علَّنا نعتبر ونكتشف بعض الايجابيات، والتي لا يمكن غض النظر عنها او تجاوزها وهي:
بيئيا: نُشر مؤخرا العديد من الدراسات العلمية والاحصائيات المتخصصة، تُجمع باغلبها على ان نسبة التلوث على صعيد العالم بشكل عام، وفي الدول الصناعية بشكل خاص قد انخفضت مع توقف الاعمال والصناعات ووسائل النقل بسبب الفيروس بدرجة كبيرة، ووصلت الى مستويات غير مسبوقة وغير منتظرة، بشكل تجاوز بدرجات كبيرة ما كانت تطمح له المؤسسات الدولية التي كانت تعني عبر اتفاق المناخ او عبر الندوات العلمية المتخصصة بضرورة ايجاد حل لمشكلة التلوث وخاصة في طبقة الاوزون الجوية، الامر الذي ستكون له حتما، واستنادا للاختصاصيين، نتائج ايجابية ضخمة في سبيل اعادة التوازن البيئي، وامام إعادة دورة الحياة الطبيعية على الكرة الارضية الى مسار آمن وصحي.
وطبعا، لبنان من ضمن هذا المناخ العالمي، قد استفاد لناحية انخفاض نسبة التلوث في شواطئه وسمائه وفي انهاره، وخاصة الليطاني كمصدر اساسي في تأمين مياء الشفة لعدة مناطق، والري للعديد من الزراعات المحلية، والتي اصبحت اليوم ومع المشاريع المرتقبة في التحول نحو الزراعة، من الامور الملحة والحيوية للاقتصاد الوطني .
اجتماعيا: تشير بعض الدراسات العلمية المتخصصة الى ان الحجر المنزلي الذي فرضته اغلب حكومات الدول التي اصيبت بالوباء على مجتمعاتها وعلى عائلاتها كان له نتائج ايجابية غير بسيطة على اعادة خلق تماسك اجتماعي وتحسين العلاقات العائلية، والتي كانت قد تفككت او تزعزعت بنسبة غير بسيطة قبل الفيروس، وذلك بسبب التباعد القصري اغلب الاوقات لضرورات العمل، كما أن فترة الحجر المنزلي شكلت فرصة مهمة لارباب العائلات ( للاباء والامهات ) للتقرب اكثر من الابناء وخاصة الصغار ، والتعرف على حاجاتهم اكثر وعلى قدراتهم ايضا وامكانياتهم، الامر الذي سوف يعيد حتما اللحمة الى العائلة، ويساهم بازالة الكثير من الالتباسات لدى الابناء وخاصة الصغار، والتي كانت تحتاج لوقت اطول من الاباء والامهات، لناحية توسيع وتثبيت الثقافة الدينية الصحيحة، او لناجية تقوية المفاهيم الوطنية والاخلاقية، والتي من المفترض تحلي الابناء بها .
على الصعيد الوطني المحلي لا شك ان ما قامت به الحكومة اللبنانية بكافة وزاراتها واجهزتها الامنية والعسكرية، وخاصة وزارة الصحة العامة، شكل ظاهرة فاجأت الكثير من الدول، وربما كانت صادمة للبعض منها في مكان ما، فما كان منتظرا من دولة مثل لبنان، تعيش ازمة سياسية غير بسيطة، مع ازمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، لا تبتعد كثيرا عن حالة الانهيار الاقتصادي والمالي، لاسباب كثيرة لا ضرورة للتذكير بها، لم يكن كما حصل حقيقة، فالحكومة اللبنانية استطاعت وضع خطة محكمة لمواجهة الفيروس، تميزت عن العديد من الدول القادرة صاحبة الامكانيات الضخمة، فاستوعبت حالات انتشار الوباء، واتخذت قرارات سريعة بطريقة جريئة ومدروسة، في اقفال المعابر الحدودية والمدارس والجامعات، ومنعت كل انواع التجمعات، مع تنفيذ اجراءآت صحية وامنية وادراية غير مسبوقة في حرفيتها وفي مهنيتها وفي فعاليتها، ونحن اليوم على الطريق لتحقيق الاستيعاب النهائي للفيروس وتبديد تاثيراته على مجتمعنا .
العبرة من ما قامت به الحكومة اللبنانية، والتي يمكن وضعها في خانة ايجابيات الكورونا على بلدنا، هي في ما قدمته تجربة مواجهة الفيروس من دروس للجميع، للحكومة التي شكلت لها المواجهة فرصة مهمة في حسن ادراة الكوارث والازمات، سوف تنسحب على اغلب ما يمكن ان يستجد لاحقا، الامر الذي نستطيع أن نضعه في خانة التجربة الحية لاجراءآت الوزارات والاجهزة الامنية والعسكرية والطبية، كنموذج يعتمد في اية مواجهة، وذلك بعد تصحيح الاخطاء واضافة النواقص، وايضا للمواطنين الذين عليهم الاستفادة واخذ العبر اجتماعيا واقتصاديا ودينيا وثقافيا.
وبكل الاحوال، تبقى العبرة من كل الكوارث والازمات والاوبئة، أنه على الانسان أن يبقى ويثبت اكثرعلى التزامه الديني والاخلاقي، دون ان ينسى قدرة الخالق وعظمته، والتي مهما صنّع واخترع هذا الانسان، ومهما وصل في قدراته وفي امكانياته، ستبقى حدوده وقدرته بعيدة ملايين السنوات الضوئية عن قدرة الخالق وعظمته وحكمته.