إيهاب شوقي
كغيره من الشعوب العربية، يعشق الشعب المصري التواصل البشري عبر التنزه والمنتديات والمقاهي، وان كانت هناك سمات تميز المصريين تتعلق بالتوقيت واخرى بالعدد وبطبيعة الظرف الاقتصادي وكذلك بالعادات والموروثات الشعبية.
ومن هذه السمات المميزة تلك المتعلقة بالتوقيت، فالمصريون يفضلون الخروج ليلا ويندر أن تجد طرقا مزدحمة في أية دولة قرب منتصف الليل سوى في مصر، وهو راجع ايضا لعادات مصرية تعشق السمر والمقاهي.
ونظرا للتعداد السكاني الكبير والتطور الديموغرافي الذي اكتسب سمات عشوائية، فهناك تداخل كبير بين الشرائح السكانية المختلفة، مما يجعل حالة التزاحم حالة عامة، يصعب فيها الفصل بين شرائح تفضل الحجر الصحي وشرائح لا تلقي بالاً له، وهو ما يجعل معظم المناطق مزدحمة وغير مقسمة لاحياء منفصلة يتميز كل منها بطبيعة خاصة.
والمحصلة أن عادات الشعب المصري التي يصعب معها الحجر الصحي تشكل عائقا كبيرا امام الأمان من مخاطر التزاحم وأثره في نقل العدوى حال تفشي الاوبئة.
ومن جانب اخر، فإن هناك شرائح ثقافية مختلفة تتفاوت نظرتها لتفشي وباء كورونا، فبينما هناك شرائح تتخذ اجراءات وقائية وتلتزم بتعليمات العزل الاجتماعي وارشادات المنظمات الصحية، فإن هناك شرائح اخرى لا تلتزم لاسباب متفاوتة يمكن ان نذكر منها ما يلي:
1- شرائح تتعامل مع القضية بشكل قدري، حيث تتبع ثقافة منطلقة من الدين مفادها "قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا" ولكن مع اغفال جانب ديني مهم ينادي بالاحتياط وحفظ النفس وعدم الالقاء النفس في التهلكة.
2- شرائح معدمة اقتصاديا يتساوى الموت عندها مع الحياة، وبالتالي فلا تمتلك حرصا ولا تخشى من شيء، اضافة الى انها لا تمتلك من الاساس رفاهية الحجر، حيث تحصل على الرزق يوما بيوم، وبالتالي فإن العزل يصبح مرادفا للافلاس والموت.
3- شرائح تمتلك مفهوما موروثا بأن مصر محروسة وان الشعب المصري لا تؤثر به الاوبئة حيث يتميز بمناعة خاصة، وان التلوث اللاحق بالغذاء والماء قد رفع مناعة المصريين، وهو مفهوم اقرب لمفهوم "الفرقة الناجية"، وهذا المفهوم رغم ما ينطوي عليه من مخاطر، الا انه قد يكون له بعض الايجابيات المتعلقة برفع المناعة التي يضعفها الخوف والاستسلام، الا انه ومع انتفاء الحرص واخذ الاحتياط يصبح مفهوما مهلكا ومنذرا بعواقب وخيمة.
4- شرائح لا تعرف ما هو المطلوب تحديدا، فالاعلام يصرخ بالتباعد الاجتماعي، في حين ان العمل الحكومي مستمر والتزاحم حتمي، ولا يستطيع الكثيرون استيعاب فكرة الحظر الجزئي حيث ان الفيروس يمكن ان ينتقل ليلا او نهارا، وبالتالي فان السماح بالتزاحم نهارا يجعل من الحظر الليلي امرا عبثيا وغير مفهوم!
لا شك ان اعداد المصابين والوفيات بمصر لا تشكل حتى الان كابوسا ورعبا، الا ان استعدادات مصر الصحية حال اي تطور او قفزة تجعل من الامر مأساة كبرى، نأمل الا نصل اليها.
ولا شك اننا ننضم للاصوات المنادية بمزيد من الشفافية حول اماكن انتشار الوباء وجغرافية اعداد المصابين المعلن عنهم، وكذلك ننادي بخطاب رسمي واعلامي واضح حول حجم الانتشار وكيفية الموازنة بين الاقتصاد والحماية من التفشي، والامر يتطلب افكارا ابداعية متعلقة بتنظيم العمل بشكل تبادلي وتكثيف وسائل النقل واتخاذ تدابير مبتكرة لقطع الطريق على التزاحم.
هي مهمة صعبة ولكنها تشكل اختبارا هاما لكفاءة الانظمة وبالتالي شرعيتها.