تحقيق: هدى رحمة (خاص كورونا نيوز)
إنّه وقت الفرصة، تضجّ المدرسة بالحركة، الطلاب في الملاعب، والبعض الآخر يمارس الرياضات المتاحة ككرة السلة أو القفز على الحبال.. وآخرون في المسرح.
هذا مشهد المدرسة في الأيام العادية، أمّا في زمن التعليم عن بُعد وعبر الوسائط الإلكترونية، فإنّ التلميذ يجلس على الكنبة أو الكرسي وأقصى ما يمكن أن يقوم به من حركة القيام إلى غرفة مجاورة تاركاً معلّمه في صالة البيت.
في لحظة الطوارئ لمواجهة كورونا التفت القيّمون إلى كل ما يحمي التلميذ في التّباعد الجسدي أو الفيزيائي أو الاجتماعي.. عن إلتقاط العدوَى بـ كوفيد 19، لكن كثيرون لم يلتفتوا إلى الأضرار الناجمة عن ذلك، نفسياً وجسدياً (طبياً).
كنّا قد تناولنا في المقالين السابقين الآثار السلبية للتّعليم عن بُعد، من ناحية الضّرر النفسي والضّرر البصري على التلاميذ. في هذا المقال سنتحدّث عن الأضرار الجسدية لتعلّم الطلاب عن بُعد، وأهمّها الضّرر على العمود الفقري (الظهر)، وعلى الرقبة.
في التعريف يعتبر الضّرر الجسدي هو الضّرر المباشر على جزء من جسم التلميذ، وبالدرجة الأولى على العمود الفقري، أي الهيكل الذي يحمل ظهر ورقبة الطالب. لا يخفى على أحد أنّ الجلوس لوقتٍ طويل يحدث ضغطاً على الظهر والرقبة، ما يؤدي إلى أضرار مباشرة عليهما.
في زمن التعليم عن بُعد والذي بدأ مع انتشار جائحة كورونا ومن المتوقّع أن يستمرّ لفترة غير محدّدة، لا تتصدّى جهات متخصّصة في لبنان بشكل جدي للتخفيف من الأضرار الناتجة عن التعليم عن بُعد وتقديم النصائح العملية للأهل والتلاميذ على حدٍ سواء.
في الدرجة الأولى فإنّ السلطات التربوية في لبنان لا تلتفت إلى الأثار التي تترتّب على الأضرار الصحية، وليس على أجندتها في ظلّ حالة الطوارئ الصحية، العمل على معالجتها أو بالحدّ الأدنى التّخفيف منها. فلا الوزارة، ولا أغلب المدارس يوجّهون النصائح أو توصيات بالتمارين العملية للحدّ من هذه الأضرار، في حين يترك الأمر على عاتق الأهل المشغولين بترتيب ظروف التعليم عن بُعد والوقاية من عدوى الفيروس.
ماذا يقول الرياضيون؟
حول الآثار السلبية للتعليم عن بُعد على جسد الطالب يقول الأستاذ المحاضر في كلية التربية في الجامعة اللبنانية (الرياضي) الدكتور يوسف الحاج أن "الخوف والقلق عند الجميع، الأهل والمجتمع من مسألة التعليم عن بعد." معتبراً أن "هذا تحدٍ نخوضه للمرة الأولى".
ويوضح الحاج "تصوروا أن يجلس طفل لساعات على الصّفحات الإلكترونية كاللابتوب أو التاب أو الهاتف، وهو لا يُبدي أي حركة، لا ينزل إلى الملعب ولا يركض ولا يمارس أي نوع من التمارين، كيف سيكون حاله؟"، لافتاً إلى أنّ "التلاميذ بحاجة لمتابعة، هذا التعليم له جوانب سلبية وحاجات غير متوفرة مثل انقطاع الكهرباء، الإنترنت غير متوفر في جميع البيوت، والتوتّر وغيرها. لكن ليس لدينا خيار آخر، علينا إنجاز هذا التّحدي بأقل الأضرار."
عن تحديات مسألة التعليم عن بعد لمرحلة الروضات يقول الدكتور يوسف الحاج: "التلاميذ في مرحلة ما قبل الإبتدائي هم في حركة مستمرة، لا يستطيع الأهل في كثير من الأحيان السيطرة على جلوسهم أمام الشاشة. هنا تقع على الأهل مسؤولية معرفة الطريقة الأنسب لإقناع الطفل وترغيبه بالجلوس. كما أنّ إلزام الطفل في هذه المرحلة الجلوس لفترة طويلة يعرّضه لمشاكل صحية مثل إجهاد العين، وجع الرقبة، والضغط على العمود الفقري، هذه المشاكل يتعرّض لها حتى الطالب الأكبر سناً، وجميع الناس بشكلٍ عام".
ويحذّر الحاج من أنّ"جلوس التلميذ لوقتٍ طويل سيؤثر على عموده الفقري، فالعمود الفقري بحاجة لراحة بشكل دائم وتمدّد كي لا يتعب بشكلٍ كبير، كما يتأثّر بنوعية الكرسي التي يجلس عليها التلميذ، ووضعية جلوسه، أي إن كان يجلس بشكلٍ مستقيم أو بشكل "أعوج"، أو منحني كثيراً إلى الأمام. وخلال الجلوس إن كان ينظر إلى اللابتوب أو التلفاز أو على اللوح الذكي، كل هذا له خصوصية وتأثير".
يتابع الدكتور يوسف الحاج الشرح: "الجلوس لوقت طويل يسبب إجهاد للعمود الفقري، الذي تقريباً وبالوضع الطبيعي هو يحمل شكل الحرف (S) كإنحناءة خفيفة، أمّا عند الجلوس لفترة طويلة فهنا يكون التركيز أو الضغط على مكان في العمود الفقري دون مكان آخر."
ويوجّه الدكتور الحاج نصائحه: "عدم الجلوس لفترة طويلة، على الكرسي أو على الكنبة، بل على الطالب أن يمشي قليلاً بين مدّة وأُخرى، حتى وإن كان يحمل اللوح الإلكتروني عند الضرورة. وأيضاً أن تكون أقصى فترة لجلوس التلميذ الصغير 20 دقيقة، والتلميذ الأكبر سناً حوالي 30 دقيقة. بالإضافة إلى الجلوس بالطريقة الصحيحة والصحية، أي بشكلٍ مستقيم. مع القيام بتمارين الراحة وذلك بمساعدة من هو أكبر سناًّ منه، الذي يملك المعلومات الدقيقة حول هذه التمارين وكيفيتها. مثل النوم على الأرض مع طي الركبتين، هذا التمرين يخفف من الضرر على العمود الفقري".
كذلك بطبيعة الحال الرقبة تتعرّض أيضاً للضغط خلال الجلوس الطويل أمام اللوح الإلكتروني. هنا يعتبر الدكتور يوسف الحاج أنّ "التلميذ بحاجة إلى أن يتعلّم طريقة سليمة لتحريك الرقبة ولتخفيف الضغط عنها وإراحتها. وذلك عبر تحريك الرقبة من اليمين إلى اليسار وبالعكس، وتكرار هذا التمرين لعدّة مرات."
لأنّنا في لبنان نفتقر لجهات مسؤولة تُتابع ما يجب متابعته في الجانب التعليمي التربوي، ولأنّنا بِتنا نعيش في زمنٍ مليءٍ بالأزمات على مختلف الصّعد. مسؤوليتنا الأولى أن نتحمّل مسؤولياتنا تجاه من حولنا، خصوصاً الحلقة الأضعف، وهم أطفالنا، أمانتنا، وأملنا. لهذا علينا أن لا نملّ من هذه المسؤولية وهذه الأمانة، بل علينا أن نضاعف جهودنا لنغطّي التقصير الموجود، ولنفسح لأطفالنا الفرصة الأفضل للأمل والطموح، وهذا ما يكون بالدّرجة الأولى عبر الإهتمام بصحتهم النفسية والجسدية على حدٍ سواء.