(إيهاب شوقي/ كورونا نيوز)
لا شكّ أنّ هناك الكثير من الملفات الغامضة التي يحملها فيروس كوفيد 19 سواء في نشأته، ومروراً بانتشاره وتداعياته المتباينة والتي يصعب قياسها أو توقعها أو وضع قانون وقاعدة راسخة لدى فتكه بالشرائح المختلفة من الأعمار أو الحالات المرضية المختلفة، ووصولاً للقاحات ومدى أمانها وفاعليتها.
إلّا أنّ اللّافت أنّ ملف الإحصائيات الخاصة بأعداد الإصابات والوفيات، يحتل مرتبة متقدمة في سلم الغموض والريبة، أمّا لدواع سياسية تشير أصابع الريبة بها للحكومات، أو لأسباب تقنية وواقعية تقول أنّه بالفعل يصعب الحصر الدقيق لهذه الأعداد.
ومن الحالات اللّافتة في ملف الأعداد الغامض، تأتي مفارقة وضع الحكومة الألمانية قائمة لمناطق المستوى العالي لانتشار المرض، والتي تمّ فتحها يوم 19 يناير وتضمّنت في حينه فقط مصر.
رغم أنّ الأعداد المُعلنة بمصر رسمياً قليلة جداً مقارنة بالدول الأخرى، فهي يومياً بالمئات ولا تتجاوز الألف في أعداد الإصابات، وبالعشرات ولا تتجاوز الستين في أعداد الوفيات.
وضعت ألمانيا القائمة لأكثر من 20 دولة بينها الولايات المتحدة في قائمة مناطق المستوى العالي لانتشار الإصابات بعدوى فيروس كورونا "كوفيد-19".
وأوضح معهد "روبيرت كوخ" التابع لوزارة الصحة الألمانية، أنّ ألمانيا أدرجت في القائمة 20 دولة جديدة بينها فلسطين و(الكيان الإسرائيلي) وإيران والولايات المتحدة والمكسيك وبوليفيا وكولومبيا و13 دولة أوروبية منها لاتفيا وليتوانيا وإستونيا والبرتغال وسلوفينيا والتشيك.
ويتمّ بحقّ الدول الموضوعة في هذه القائمة تطبيق إجراءات مشدّدة لمنع انتشار فيروس كورونا خاصّة إجراء فحوص لرصد المرض قبل السفر إلى ألمانيا.
وبالعودة لمصر، فإنّ الحديث الشعبي يتناول بالفعل هوّة كبيرة بين الأعداد المعلنة رسمياً والأعداد الملاحظة عملياً، سواء للإصابات أو الوفيات.
وهنا ليس المستهدف هو التشكيك أو الإتهام ولكن إلقاء الضوء على بعض عوامل هذه الفجوة في الإحصائيات.
في تقرير لموقع "اندبندنت عربية"، يقول التّقرير أنّ دول عظمى كالولايات المتّحدة والصين وبريطانيا باتت تتقاذف التّهم والإشاعات حول صحة أرقام المصابين وأعداد الوفيات، وهي لا تزال تعيش فوضى وعشوائية بطريقة التّعامل مع الفيروس، علماً أنّها لم تقصّر في تشكيل خلايا وأجهزة رقابة متخصّصة مؤلّفة من أطباء وعلماء.
وبالتّالي فإنّ هناك فجوة في الدول الكبرى أيضاً، وتناول التقرير تحديداً الحالة المصرية، وقال أنّ كذب الأرقام فيما يختص بما تُعلنه الحكومة المصرية عن أعداد المصابين والمتعافين لم يعد ممكناً.
واستشهد التقرير بشهادة مدير إدارة الأمراض السارية في المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط إيفان هوتين، حيث أشار إلى نقاط قوة عدّة في استجابة وزارة الصحة والسكان المصرية للوباء، مع توصيات للإستمرار في البحث عن الحالات بكل مكان. حيث يقول، "إن الوزارة خاطبت المنظمة مع بَدء ظهور الفيروس في مصر، وكان ذلك بمدينتي الأقصر وأسوان في الفترة من 23 إلى 25 مارس (آذار) الماضي، وطلبت من المنظّمة استعراض الوضع في مصر، وتقديم مقترحات لتحسين الإستجابة".
كما يقول الطبيب المتخصّص في أمراض المناعة "خالد فوزي"، إنّ "الأرقام التي يتمّ إعلانها في مصر لا يمكن التلاعب فيها، مع العلم أنّ عملية الحصر بالغة الصعوبة في أي بلد، ولا توجد دولة يمكنها أن تدعي سهولة حصر الأرقام الحقيقية. هناك حالات إصابة بفيروس كورونا تكون أعراضها خفيفة جداً، وأخرى لا يبلّغ أصحابها عن أنفسهم أو يطلبون الخضوع لاختبار كورونا".
مضيفاً، أنّ الأرقام المعلنة تعتمد على الأشخاص الذين يتوجّهون إلى المستشفيات، أو نتيجة عمليات المسح التي تجري في أماكن مختلفة، منها العائدون إلى مصر، موضحاً أنّ عمليات المسح تلك لا تُجرى على كل المواطنين، لا في مصر ولا أي دولة أخرى.
وهنا نحن بصدد صورة واضحة لما يحدث بمصر والشرق الأوسط عموماً، فنحن لسنا بصدد مؤامرة أو بصدد كفاءة، وإنما بصدد تواضع للإمكانيات البحثية والتقنية وتدهور في القطاعات الصحية يجب الإعتراف به.
فالفجوة بين المعلن رسمياً والأعداد الحقيقية كبير، ولكن مصدر الفجوة هو عدم توفر إمكانات المسح الدقيق وسهولة إجراء التّحاليل وتوفّرها وفقاً لإمكانات المواطنين المادية، وكذلك تدهور القطاع الصحي بما لا يسمح بعلاج فئات عديدة في مستشفيات الدولة وبالتالي حصر الدولة الدقيق للإصابات والوفيّات.
باختصار نحن بصدد دفع فواتير فشل الدول في الإهتمام الحقيقي بالمواطن والقطاعات الحيوية كالتّعليم والصحة، ولسنا بصدد مؤامرة، وإن كان الإهمال عبر العقود للمواطنين أسوأ من المؤامرات.