محمد كسرواني
بعد مُضي سنة تقريباً على بَدء انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19) عالمياً، بدأت تظهر جلياً التّبعات الخطرة غير الصحية للوباء. فبالإضافة إلى توقّف اقتصاد دول، وارتباك في العلاقات الاجتماعية، تتصدّر المشاكل النفسية للمصابين وغير المصابين المشهد.
الملفت في الأمر، أنّ تأثّر البعض نفسياً بالوباء يعود إلى مراقبة وسائل الإعلام، و"الإدمان" على متابعة التقارير الصحية. فالبعض تابع أخبار الوباء وكيفية انتقاله والعوارض الخطرة والنتائج ما دفعه لحالات "هيستيرية" أحياناً.
ترى مديرة مديريّة الصحّة النفسيّة في الهيئة الصحيّة الإسلاميّة الأخصائيّة ريما بدران أنّ "الإعلام لعب دوراً بارزاً مع بداية تفشي الجائحة عالمياً، في نشر الذعر والرعب مستخدماً المبالغة والتهويل حول فيروس مجهول في أساليب انتشاره وبقائه على الأسطح. وقد ساهم التهويل في دفع الشعوب لإتباع الإجراءات الوقائية التي رفعتها منظمة الصحة العالمية ووزارات الصحة والمنظّمات الاجتماعية في البلدان".
وتلفت بدران، في حديث لموقع "كورونا نيوز"، إلى أنّ دور الإعلام البارز في التهويل أنتج سريعاً نتائج سلبية لجهة المصاب والأثر الاجتماعي وما تبعه من أثر نفسيّ، سبّب أحياناً مشاكل نفسية طويلة الأمد استدعت علاجات دوائية. وتضيف أنّه مع مضيّ الأيام ووضوح كيفية انتشار الفيروس، حُمِّل الإعلام مسؤولية إثارة الذّعر وأنّه كان يسابق الأخبار بحثاً عن "السكوب"، حتى فقد في بعض الأحيان مصداقيته، وأنتج مستهترين بالإجراءات الوقائية بذريعة التضخيم الإعلامي.
الهوس والوحدة من نتائج التشدّد المفرط بالإجراءات الوقائية ..
على المقلب الآخر، تؤكّد بدران من خلال متابعتها في الهيئة الصحيّة الإسلاميّة أنّه أثار التضخيم الإعلامي أزمات نفسية عند مجموعة من الناس. منهم من ذوي الأمراض المزمنة الذين أصابهم الخوف والقلق الدائم من الإصابة بالوباء، ودفعهم لاتباع إجراءات وقائية شديدة سببت لاحقاً هوساً.
ومن المتأثرين بالتضخيم الإعلامي أيضاً الكبار في السن، الذين لجأ بعضهم عزلة كاملة كإجراء للتباعد الاجتماعي غير المبرر أحياناً. لاحقاً عانى هؤلاء ومعهم ذوو الأمراض المزمنة من آثار نفسية أشعرتهم بالوحدة والضعف والمرض.
من هؤلاء أيضاً المصابون بالوباء أنفسهم. بعض المصابين نتيجةً لما يسمعون ويشاهدون على وسائل الإعلام، توهموا بعوارض صحية خطرة دفعتهم لدخول المستشفيات.
بعد إجراء الفحوصات اللّازمة وتبيّن أنّ الفيروس موجود ولكن عوارضه محدودة وغير مرتبطة بما يشعر به المريض حالياً، تحسن الوضع الصحي للمصاب فجأة!
هذه الحالات مسجلة في المستشفيات على أنّها حالات نفسية تستدعي مراجعة مشرف نفسي. بعض هؤلاء كانت تصيبهم نوبة هلع تستدعي الإستشفاء تحديداً عندما يُصاب أحد معارفهم أو أقربائهم المصاب بالوباء بوعكة صحية خطرة دخل على أثرها المستشفى.
ليس وحدهم المسنون وذوو الأمراض المزمنة، من خاضوا هذه التجربة. فقد شاركهم بها بعض المهاجرين كخوف من الموت بعيداً عن الأهل، والطلاب في الخارج كخوف من الإصابة بالمرض والإمتناع عن إجراء الإمتحانات، وكذلك المغتربين كخوف من الإصابة والتّرحيل أو إنهاء العقود مع الشركات وخسارة الوظيفة.
التوصية الأولى لأي مصاب بالوباء ..
"التوصية الأولى لأي مصاب بالوباء، التوقف الكلي عن سماع الأخبار"، تقول بدران في حديثها لموقع "كورونا نيوز"، وتضيف "في بعض الأحيان يساعد المريض قراءة التقارير الرسمية فقط، أو الصادرة عن جهات موثوقة".
أمّا عن دور الإعلام فتؤكد مديرة مديريّة الصحّة النفسيّة في الهيئة أنّ المطلوب تسليط الضوء على الأمور الإيجابية في الجائحة، والتوقف عن بثّ تقارير من مصادر غير موثوقة ولو من باب الأخبار العام. كما المطلوب أيضاً الإضاءة أكثر على حالات الشفاء، والإيجابية في سرعة إيجاد اللقاح.
محفوظ: لا قانون حتى الآن ..
بدوره، يأسف رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع في لبنان عبد الهادي محفوظ لعدم وجود أي قانون حتى الآن يحاسب وسائل الإعلام على بثّ تقرير تضرّ بالصحة النفسية للمصاب، أو تساعد في خلق حالة رعب أو ذعر حول الجائحة.
ويضيف في حديث لموقع "كورونا نيوز" أنّ الآثار النفسية للمرضى المصابين بدأت تظهر والإعلام يتحمّل جزء من التهويل الذي كان شريكاً فيه"، ويضيف "واقعاً "لا قدرة على السيطرة على الأمر والمطلوب تنبّه وسائل الإعلام للآثار النفسية من تقاريرها، وعدم الجري وراء السبق الصحافي، فيما المطلوب من المواطنين كافةً استقصاء المعلومات من مصادر موثوقة ومتخصّصة حصراً".