شارل ابي نادر (عميد متقاعد/لبنان)
ربما كان غريباً بعض الشيء ان يكون لبنان من بين أوائل الدول التي واجهت وباء الكورونا بنجاح حتى الآن، ليس لانتقاص من الدولة التي اشتهرت عبر التاريخ بمواطنين ناجحين على كافة الاصعدة، ولكن لما حملته مواجهة الفيروس كوفيد 19 المتجدد من صعوبة وحساسية عبر العالم، حيث فشلت امامه دول متطورة وقادرة ومعروفة بإمكانياتها المالية والادارية والعلمية، في الوقت الذي يعاني فيه لبنان ما يعانيه، على صعيد الوضع المالي والاقتصادي والسياسي غير المتوازن، على خلفية خلافات وتجاذبات ومهاترات ليست بعيدة عن الجميع.
بكل الاحوال، لبنان اليوم على المقلب الآمن من مسار المواجهة، فاعداد الاصابات تنحسر وتتناقص يوماً بعد يوم، وحالات الشفاء الكامل تتزايد مع شبه ثبات لعدد حالات الوفاة، والتي انحصرت تقريبا بمصابين كان لديهم امراض مزمنة، او الذين كانوا من اصحاب الحالات الطبية المعقدة بالاساس. ولكن ما هي الاسباب التي وضعت لبنان في هذه المرتبة المشرّفة اقليميا وعالميا؟ وهل يمكن القول اننا ثبتنا في مربع الأمان الأكيد؟؟
تتوزع بتقديرنا الاسباب التي ساهمت في نجاح لبنان بمواجهة الفيروس الى عدة اتجاهات يمكن تحديدها بالتالي:
سياسية: كان للاتفاق السياسي الرسمي بداية دور مهم في بلورة مسار واستراتيجية المواجهة، الأمر الذي نتج عنه قرارات رسمية، متجانسة، جريئة، سريعة ودون معارضة، على عكس بعض الدول المترددة والتي تضاربت رؤية مسؤوليها حول الموضوع، فكان القرار اللبناني الرسمي بعد اعلان التعبئة العامة وحالة الطوارىء الصحية مهماً وحاسماً لناحية:
- اتخاذ القرار الباكر بمنع التجمعات واقفال المدارس والجامعات، مما أدى الى ضبط عملية الانتشار واقفالها، على الاقل بداية عبر هذه التجمعات والمؤسسات التي تجمع عدداً كبيرا من المواطنين مع تواصل وتقارب واحتكاك شبه مباشر.
- القرار الاصعب بوقف اغلب الاعمال، وحيث يعتبر هذا القرار من اكثر القرارات حساسية وتأثيراً على المجتمع، كونه يمس لقمة العيش، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان اقتصاديا ومالياً، فقد تجاوزت السلطةُ تداعياته، عبر اجراءات اجتماعية ومالية، صحيح انها جاءت متواضعة، ولكنها كانت غير مألوفة مع الحكومات السابقة.
- القرار المنتج والمؤثر كان باقفال المعابر الحدودية بوقت مبكر جداً مقارنة مع اغلب الدول الأخرى، وهذا ساهم ايضاً، مع بعض الاستثناءات التي تسللت قبل القرار وكانت مؤذية في نقل العدوى الخارجية، ساهم لاحقاً في حصر الفيروس بالمحلي دون الخارجي.
إدارية : استناداً لما تملكه الأجهزة العسكرية والأمنية اللبنانية من خبرات في إدراة وضبط الحالات الاستثنائية، المرتبطة بالأساس بحماية وفرض الأمن وبإدراة المظاهرات والاعتصامات، ولكن عملياً فان منهجية عمل تلك الاجهزة في مهماتها التقليدية المذكورة، كانت مفيدة في تنفيذ أوامر وتعليمات وقرارات التعبئة العامة، وأيضاً مع بعض الاستثناءات والتي نجدها في أغلب دول العالم، ففرضت الالتزام المطلوب لناحية الحجر المنزلي ومنع الاعمال والتجمعات، وكان لذلك دور اساسي في إنجاح وتطبيق القرارات الرسمية المتعلقة بمنع انتشارالفيروس.
- لعب ايضا قطاع الاتصالات الناجح والناشط في لبنان، ومن خلال قدرات شركات الخليوي والانترنت، دورا فاعلا في تامين التواصل المطلوب لتوجيه المواطنين فيما خص مواجهة الوباء، وفي تغطية الحد الادنى المطلوب لمتابعة الاعمال الممكنة او لمتابعة الدراسة أونلاين عبر الانترنت، مما ساهم في تنفيس واستيعاب مشكلة التعليم والتواصل والأعمال بالحد المقبول.
طبيا: قد تكون الناحية الطبية هي الأكثر تأثيراً ومساهمة في وضع لبنان بموقع متقدم عالمياً في مواجهة الفيروس، وعملياً هذه الناحية (الطبية) هي التي أخذت القسط الاكبر من المتابعة والاشادة العالمية من قبل دول معروفة او من قبل منظمة الصجة العالمية. ويمكن تفنيد الناحية الطبية بما يلي:
يملك لبنان، وبالرغم من بعض الملاحظات على ادارتها وماليتها وطريقة عملها، منظومة طبية واسعة وناشطة، من المستشفيات والمراكز الطبية والمختبرات والمؤسسات المتخصصة، تُعتبر أكثر من كافية مقارنة مع حجمه وعدد سكانه، بالإضافة لشبكة ناجحة ومعروفة من الاطباء الاختصاصيين المعروفين عالمياً، والذين يعملون في لبنان والخارج مع خبرات مهمة على الصعيد الطبي، الأمر الذي ساهم في خلق جبهة قوية من الأطباء المتمرسين، أداروا معركة العلاج والتوعية بطريقة ناجحة وفعالة.
ايضا، لعبت مؤسسات الاغاثة والاخلاء المتعددة في لبنان، مثل الصليب الاحمر اللبناني والهلال الاحمر ومؤسسات اخلاء واغاثة طبية حزبية واجتماعية اخرى، دوراً مهماً في ضبط عملية نقل المصابين أو المشتبه بإصابتهم بالفيروس بطريقة محترفة وآمنة، مما ساهم في إبعاد وإلغاء اي نقل للعدوى عبر مسار الاخلاء الصحي، بالاضفة لتأمين هذه المؤسسات جهوزيةً مرتفعةً لبّت أو غطَّت أغلب الحالات بالوقت المناسب.
وزراة الصحة، حيث ظهرت وبكوادرها الطبية والادارية، رائدة في استيعاب صدمة الفيروس ووضع الخطط وتوزيع الاعمال، ومن خلال تنفيذ مناورة طبية وادارية متكاملة، استطاعت تركيز الجهود والإمكانيات والقدرات الموجودة لديها، مستغلة أولا قدرات مستشفى الرئيس الحريري الحكومي كنقطة ارتكاز أساسية في المواجهة، وثانياً عبر توزيع وتنظيم الأعمال والأدوار على كافة المستشفيات الحكومية بعد تجهيزها بما كان مناسباً ومتوفراً.
واخيرا، كانت وزارة الصحة وعبر الوزير الدكتور حمد حسن، الورقة الرابحة للبنان في مواجهة الفيروس، فمعاليه عملياً، وهذا من حسن حظ لبنان، صاحب الاختصاص الاكثر حاجة وطلبا وضرورة لادارة مواجهة الوباء، وهو اختصاص الامراض الجرثومية بالاضافة لوظيفته كاستاذ محاضر ومسؤول المختبرات المركزية الجرثومية في الجامعة اللبنانية، الأمر الذي جعل هذه المواجهة بيد أمينة أو بيد من هو الأنسب في هذه المعركة، ومن خلال إدارته الحكيمة والوطنية لعمل الوزارة، عبر إعطاء الاهتمام الكامل والعادل والمتوازن لكل المناطق والمستشفيات الخاصة والحكومية، استطاع إنجاح معركة الدولة - كل الدولة - بمواجهة الوباء، ونحن اليوم، وبفضل الله اولاً وبفضل وزارة الصحة وكافة الأجهزة الرسمية المعنية، على الطريق لتتويج هذه المواجهة ضد الكورونا بانتصار كامل ومميز.