محمد باقر ياسين
في ظلّ استمرار فترة الإقفال التّام وما يمكن أن تتّخذه الحكومة من قرار إما بفتح البلاد أو الاستمرار في إغلاقها، تتجه الأنظار إلى المواطن بحدّ ذاته كعنصر فاعل في المجتمع، كيف سيتصرّف؟ وهل باستطاعته تعديل عاداته الاجتماعية وتكييفها مع واقع الوباء؟ وماذا عن اللامبالين بواقع كورونا؟ وما دوري كفرد في منظومة الحماية من الجائحة؟ وكيف يمكننا التخلص من الفيروس؟، هذه الأسئلة كلّها حملها موقع "كورونا نيوز" إلى مدير الدراسات الميدانية في مركز الأبحاث والدراسات التربوية، الدكتور علي كريّم.
حيث يشير الدكتور كريّم إلى أنّ "المجتمعات تعيش وفق منظومة من القيم الحاكمة، التي تفرض عليها نوعاً من السلوك الذي يتمثل بنمط العيش والعادات والأعراف والتقاليد، وبقدر ما تكون هذه القيم متجذّرة وحاضرة على الدوام، بقدر ما تخلق لتلك المجتمعات الحافزية في الانضباط والاستقامة فيما تترجمه في السلوك". ولفت إلى "وجوب حضور قيمة الإنسان في منظومة القيم الحاكمة، لأنّ السلوك هو رهن القيمة، فإذا كانت حاضرة، فيجب أن يتكيّف السلوك معها، أي إذا كانت قيمة الإنسان كونه أكرم المخلوقات، فيجب أن يتكيّف السلوك مع احترام ورعاية وحفظ هذا الإنسان".
وتابع "نحن نعلم تماماً أنّ مجتمعاتنا تعيش مستوى متقدِّماً من العلاقات والتواصل الدائم، ولعلّ أكثر ما نلاحظه في الترجمة لهذا السلوك، هو في مواسم الفرح أو الحزن، كيف تتهافت الناس على التهنئة أو التعزية، وهذا أمر في غاية الإيجابية".
يضيف: "ولكن إذا عدنا إلى الدافع في هذا السلوك، فسنجد أنّ المحبّة والتقدير والتقرّب وحتى البحث عن الأجر المعنوي، بالنّسبة للمجتمع المتديِّن، هو حاضر في الصميم، وهنا يأتي السؤال الأهم، إذا كانت محبّتنا وتقديرنا واحترامنا وتقرّبنا وبحثنا عن الأجر المعنوي وكل تلك الدوافع المحمودة ما زالت حاضرة، وتنبعث من قيمنا الراسخة، ألا يستلزم ذلك سريان تلك السلوكيات في مختلف الظروف، لأجل الإنسان الذي نحب ونقدِّر ونحترم ونودّ التّقرب منه؟، فبرأيي، إنّ قيمة الإنسان الحاضرة في مجتمعنا بما تقتضيه من سلوك المحبة والتقدير والاحترام والتّقرب، تفرض علينا التّعامل بنفس الخلفية فيما خصّ الوقاية من كورونا، لأنّ الإنسان هو هو لم يتغير، فإذا كنت أحبّه وأقدِّره وأحترمه وأتقرّب منه، عليّ التزام التّباعد الاجتماعي كواجب إنساني وتجنّب الاختلاط ما أمكن".
ويلفت إلى "ظاهرة اللامبالاة لدى بعض أفراد المجتمع بجائحة كورونا"، حيث يعتبر أنّه "في بعض الأحيان، ونتيجة لطغيان الاعتبارات الضيِّقة الخاضعة لمستجدات العيش وظروفه وتحديات الواقع، على الاعتبارات القيمية الحاكمة في السلوك، نجد قدراً من اللامبالاة. فنحن نعلم تماماً أنّ اعتبار المحافظة على القيم الحاكمة هو مسؤولية جماعية، ولكن كم من الأشخاص في المجتمع حاضرون للالتزام بذلك؟، فالخلل ليس في القيم الحاكمة أو المنظومة القيمية المتّبعة، ولكن الخلل في التّطبيق؛ فلا أحد يريد إيذاء الآخرين، ولكن سوء التقدير لتبعات بعض السلوكيات، تُرتِّب آثاراً سلبية، وتسهم في انتشار الوباء دون قصد. وعندما لا ندرك الربط بين أولوية العلاقة مع الآخر في كافّة الظروف، وكيف يجب أن تُترجم، سنقع في محذور التّجاوز من القيم الحاكمة إلى المصلحة الفردية. وإنّ التفكير بمحدودية آنية، يجعلنا ننسى الاعتبار الأبعد في الأثر والنتائج، فبين الحرص على المحافظة على الإنسان وبين استعجال المصلحة الآنية الفردية، يضيع كل الجهد المبذول لمواجهة انتشار الوباء".
ويحدّد كريّم دور الفرد وواجبه اتجاه مجتمعه، حيث عليه:
أولاً: الإلتزام بما تقرّه الجهات المعنية فيما خصّ مواجهة الوباء، وبغض النظر عن مدى القناعة الذاتية بالأمر، فالمسألة لا تحتمل الاجتهاد الشخصي، أو التقدير الفردي، لأنّ الأزمة تطال كل المجتمع، وهناك أهل اختصاص يُشخِّصون مشكلة الواقع وسبل التّعامل الأصلح في مواجهتها.
ثانياً: أن يكون كل فردٍ منا نموذجاً يُحتذى به بين أفراد أسرته، أو زملائه في العمل، أو جيرانه في السكن، أو أي بيئة يمكن أن يتعامل معها.
ثالثاً: توعية كل من حولي بالخطر المُحدِق إذ لم يتم الالتزام بالإرشادات الوقائية، والتأكيد على أعلى درجات الانضباط في الحركة والتّواصل والعلاقات.
رابعاً: إعادة ترتيب وتنظيم أولويات حياتي بما ينسجم مع الإجراءات الوقائية، سواءً على مستوى العلاقات أو التّواصل أو التّواجد في بعض الأماكن، فلا أنظر إلى الأمر بأنّه فقط عقبة أمام إكمال حياتي الاعتيادية، بل قد يكون فرصة لاجتراح البدائل المفيدة.
ويختم كريّم مؤكّداً على "ضرورة التّفكير بشكلٍ جماعي، لما فيه مصلحة المجتمع ككل، فالمعركة مع المرض تحتاج إلى بُعد نظر، نتحمّل في البدايات بعض الظروف الصعبة، ولكن على المدى البعيد نستطيع الانتصار في هذه المعركة بالوعي المجتمعي والحرص على الالتزام بقيمنا الأصيلة في المحافظة على الإنسان كقيمة عليا؛ بل يمكنني القول بأنّ كلّ الإجراءات والتدابير الاحترازية التي يمكن للجهات المعنية أن تتّخذها، لا يمكنها تحقيق النتيجة الفعّالة في المواجهة، إذا لم يقترن ذلك بالتّصدي المجتمعي الواعي وتحمّل المسؤولية الفردية والمجتمعية بكل أبعادها حرصاً على الإنسان وقيمته".