علي حكمت شعيب - أستاذ جامعي
لقد غيّب الموت بسبب جائحة كورونا رجالاً لهم باع طويلة في السياسة والاقتصاد في لبنان والعالم، ممّن طمع فحرص وجمع فأوعى، فلم تغنِ عنهم أموالهم شيئاً لما جاءهم هادم اللّذات ومنغّص الشهوات وقاطع الأمنيات. أليس من السفاهة أن يسرق وينهب المرء أموال الناس فيفقرهم، ليودعها في حسابات له، فيرثها أولاده ليكون المهنأ والمغنم لغيره والتّبعات والعار عليه.
هل من الحكمة أن يتبع المرء شهوته في جمع المال والسعي الحثيث نحو السّلطة وهو مفارق الدنيا بلا مال ولا منصب.
أليست السلطة هي الحق في اتّخاذ القرار فيما يرتبط بالموارد، التي هي ملك عام، بما يحقّق أمن الناس ويشبع حاجاتهم المعنوية والمادية، فلم الإستئثار بها واستخدامها لصالح النفس والأعوان والحاشية وعدم التّورع عن قتل واغتصاب وقهر الناس الذين يطالبون بحقهم في المشاركة فيها.
البعض من هؤلاء المنقادين بأزمَة حبّ السلطة والمال، يبررون سلوكهم أنّهم يريدون أن يكونوا عمالقة يسجل التاريخ إنجازاتهم، وما نفع ذلك فإن كان المرء لا يؤمن بالآخرة فالتّعملق ودخول التاريخ لا يفيده بشيء لأنّه سيستحيل تراباً تطأه الأقدام، وإن كان من المؤمنين بها فالعمل للأنا لا يُقبل منه يوم الحساب لأنّه عمل لا يراد به وجه الله.
كم قادنا هذا الحبّ الأعمى للسلطة والمال، إلى حروب داخلية وخارجية سفكت فيها الدماء وانتهكت بها الحقوق وتجارب الحكم في المنطقة العربية زاخرة بالأمثال.
لا يستطيع العاقل اللّبيب أن يفسّر هذا النّهم وهذه الشراسة في المنافسة على المال والسلطة عند معظم السياسيين والكثير من رجال الأعمال إلّا بإرجاعه إلى حبّ الأنا المتأصّل في نفوسهم الذي يملكهم فلا يعصون له أمراً.
إنّ النّظرة المتأمّلة العميقة للدنيا وتقلباتها ومصائبها وفنائها تفتح أفق الإدراك السليم لها وتساهم في تعزيز السلوك الرشيد فيها المبتعد عن الأنا والملتزم بخدمة الناس.
نحن مطالبون في هذه الأزمة بالتّدبر بعواقب الأمور واستخلاص العِبر وبإعمال العقل الذي يأمر بحب الخير للجميع وبالتّحلي بالعدالة والإنصاف وبذلك فقط يستقيم أمر الناس وساداتهم وحكامهم.