هدى محمد رحمة
إرتبط مُصطلح "التّعليم عن بُعد" بفيروس كورونا، فبعد أن كان التّعليم عن بُعد أو التّعليم أونلاين محدوداً، ومرتبط فقط بالشّهادات الجامعية والدّورات العلميّة، غزا اليوم هذا الأمر الواقع جميع البيوت وتحكّم بدراسة الطّلاب بمُختلف فئاتهم العلمية، لدرجة أنّه تضمّن حتّى تلاميذ الصّفوف المَدرسية الأولى أي الروضات. فما هي خطورة التّعليم عن بُعد على صحّة تلاميذ المدارس النّفسية والإجتماعيّة؟ كيف أثّر التّعليم عن بُعد على المهارات الحسيّة والحركيّة للطّفل؟ كيف يُضاعف التّعليم أونلاين من إجهاد عين التلميذ؟ وما هي مسؤولية الأهل لتفادي ومُعالجة هذه المخاطر لدى أبنائهم؟
هذا ما سنُناقشه في هذه المَقالة.
يقول الطبيب النّفسي الدكتور فضل شحيمي: "مسألة التّعليم أونلاين أمر مستجد على العالم على قاعدة مجبرٌ أخاك لا بطلُ، وأصبح علينا التّأقلم مع هذا الجو الجديد". يلفت الدكتورشحيمي إلى أنّنا بدأنا نفتقد نحن -ويقصد الأهل- والأبناء المجتمع المدرسي، أي: المعلمين، النظّار، الباص، الأصدقاء، الجرس، ملعب المدرسة... لهذا بدأ التّلميذ تلقائياً يتغير ببنيته النفسيّة التربويّة، خاصّةً في مرحلة الطفولة وهي مرحلة بناء الشخصيّة الأساسيّة لهذا الطفل. مجرّد ما بدأ يجلس أمام الشّاشة تحوّل تفاعله من تفاعل مباشر إلى تفاعل عبر وسيط، ونحن عادةً نُلاحظ أمر الرّهاب الإجتماعي. أي الخوف من مُواجهة النّاس بشكل مباشر، أو القلق من مواجهة الناس، وقراءة حركات الطرفين أثناء التّواصل المباشر. لكن عند التّواصل عبر الشّاشة تضعف قدرة فهم الشخص الآخر، فكيف إن كان هذا التّواصل بين تلميذ وأستاذ.
من ناحية ثانية، فإنّ عنصر التّماهي مع الأستاذ أو المعلمة بدأ يختفي، لأنّ التلميذ لم يعُد يرى الصّورة الحقيقيّة لهذا الأستاذ. فالتّلميذ صار يضع أو يرسم صورة عن بُعد لهذا المعلّم، ثمّ يَصطَدم التّلميذ بشكل المعلّم الحقيقي. عادةً يرسم التّلاميذ للمعلّمين في أذهانهم صور عادةً ما تكون هي القدوة، لذا يبدأ التّلميذ بتقليد أستاذه في مشيته أو لباسه وأفكاره وحديثه. وهذا الأمر ألغاه التّعليم عن بعد.
عن سؤاله حول تفضيل أن يُشارك التّلميذ في الحصّة الدّراسية عن بُعد عبر الفيديو أي عبر الصّوت والصّورة، يؤكّد الدكتور شحيمي: "حتماً نحن نفضّل أن يُشارك التّلميذ عبر الفيديو وذلك كي يمتلك الجرأة في التّواصل، إن كان التلميذ يحضر فقط عبر الصوت فإنّ هذا الأمر يُضَعِّف من قدرته على مواجهة الآخرين ويقلّل من مهاراته الإجتماعية. لهذا نحن نفضّل أن يكون التّواصل عن بُعد عبر الفيديو كي يشعر التّلميذ أولاً أنّ هناك من يقوم بمراقبة وضبط سلوكه وهو الأستاذ، وثانياً كي يشعر أنّه يُشاهِد ويُشاهَد. نحن نفسياً لا نَنصح أبداً بالمشاهدة من طرفٍ واحد".
حول مهمّة الأهل أثناء حصص الأونلاين، يحدّد الدكتور فضل شحيمي: "مهمّة الأهل هنا هي الإرشاد والإشراف، أي ضبط التّلميذ من ناحية الإلتزام بوقت الحضور، يجلس بشكل منضبط أمام الشّاشة، سلوكه،... أمّا مرافقته الدائمة أثناء حضور الحصص الدّراسية فهذا الأمر نفسياً غير صحي. مهمّتهم تنحصر فقط في الإشراف عليه أي أنّه لا ينشغل بغير الدراسة، يسمع جيداً، لا يُشاغب، الأمور من هذا القبيل. بالطّبع يعتمد هذا الإشراف بحسب عمر التلميذ، مثلاً أطفال الرّوضات بحاجة إلى مراقبة أكثر من الأطفال في الصفوف الإبتدائية، وهكذا". كما يشدّد الدكتور شحيمي على أهميّة أن يلتَفت الأهل إلى الإستفسار وأسئلة الإطمئنان على إبنهم بعد كل صف، أي أن يسألوا الأسئلة الإعتيادية وكأنّهم عادوا من المدرسة: ماذا فعلتم؟ كيف كان الصّف؟ ماذا تعلّمتم؟ كنتم مرتاحين؟ تعبتم؟
عن مسألة تراجع مهارة الكتابة لصالح الطباعة يوضح الدكتور شحيمي: "هناك ما نسمّيه المهارات الحسيّة الحركية، وهي بطبيعة الحال تتراجع عند التلاميذ، لأنّ التلميذ لم يعد يستخدم يديه بالشّكل الصّحيح. نحن دائماً نقول إنّنا مع تطوّر التكنولوجيا ومع أن يبدأ الإبن بالإعتماد عليها، إنّما لها ضرر على المهارات الحسية الحركية." في هذا الإطار ينصح الدكتور شحيمي: "نستطيع هنا أن نُخيّر -لا أن نُلزم- الإبن بأن يكتب وظائف اللّغة أي العربية والأجنبية بيده عبر القلم، لأنّها الأساس في تنمية المهارات الحسية الحركية".
بما أنّ موضوع التّعليم أونلاين واقع وليس خيار، يتابع الدكتور شحيمي "ننصح الأهل بأن يشجّعوا أبناءهم على التّأقلم مع هذه الطّريقة الجديدة في التعليم. نحن سابقاً كنّا نمنع أبناءنا عن الألعاب والألواح الإلكترونية، واليوم نحن نطلب منهم الجلوس والمُتابعة عبرها، وذلك لضمان تلقّيهم العلم، ولتجنّب إصابتهم بفيروس كورونا. لهذا مسؤوليتنا بذل مجهود إضافي معهم، لكن تأثيره سيكون إيجابي عليهم. فلنراقبهم بنظرة عامّة، ولنسألهم بعد كل حصة ماذا أخذتم اليوم؟ دعني أرى الكتاب، أين كتبتم؟ هذه الأسئلة البسيطة تُساعد الإبن بأن يبقى في أجواء التّعليم المُباشر".
لقراءة الجزء الثاني اضغط هنا